إذا كانت معاناة مناطق قروية مغربية مع التزود بالماء تتجدد مع حلول صيف كل عام، باضطرار ساكنتها إلى قطع كيلومترات طويلة للوصول إلى منابع مائية أو آبار، فإن فصول المعاناة ذاتها تتفاقم حدتها هذه السنة مع “جفاف غير مسبوق” طال موارد المياه الجوفية والسطحية على السواء، مثل السدود والآبار والمنابع (العيون) التي كانت مصدرا للحصول على المادة “الحيوية” بالنسبة للري الفلاحي كما الاستهلاك المنزلي.
تأكيدات جدية “حالة الطوارئ المائية”، التي سبق إعلانها مؤخرا، توالت خلال الأسابيع الأخيرة مع اشتداد موجة الحر؛ لكنها وردت رسميا على لسان نزار بركة، وزير الماء والتجهيز، في معرض جوابه قبل أيام عن أسئلة البرلمانيين بمجلس النواب، مُقرا بأن “الجميع مسؤول عن هذا الوضع الذي وصفه بالصعب، والذي لا يمكن معالجته في أشهر، وإنما يتطلب إستراتيجية”.
في هذا الصدد، رصد نشطاء بيئيون والساكنة بضفاف وادي “إيناون”، الواقع في مجال ترابي يشترك فيه إقليمَان يضمّان منابع مائية كثيرة جدا، تاونات وتازة، والتابع تدبيريا لحوض سبو، أكبر الأحواض المائية بالمملكة المغربية، لأول مرة منذ حوالي أربعين سنة توقف جريان هذا النهر، الذي ينبع من جبال الأطلس المتوسط بإقليم تازة، وضياع الفلاحين في مزروعاتهم الصيفية.
عزيز الخلفاوي، من أعيان جماعة “عين لكدح”، فاعل جمعوي بالمنطقة ذاتها التي تقع على أحد ضفتي الوادي، قال، في إفادته لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “من الأسباب التي أدت إلى وقف جريان واد إينّاون ونضوب المياه به بشكل كلي، فضلا عن العجز المائي الذي عرفته المملكة، هو إغلاق حقينة سد باب لوطا بجماعة الصميعة المقام على واد بوحلو، أحَد روافد واد “إيناون”.
ولفت الخلفاوي، الذي اشتغل مديرا للمصالح بالجماعة ذاتها، إلى أنه بعد رفع طلب إطلاق الصبيب من سد “باب لوطا” من قبل بعض الساكنة لإنقاذ المحاصيل الزراعية، قوبل الطلب بـ”رفض السلطات الإقليمية بتازة بذريعة الحفاظ على حقينة السد لمواجهة ندرة المياه المستعملة للشرب في تزويد ساكنة المدار الحضري”.
وكشف المتحدث ذاته أن ملتمس بناء سد على واد “إيناون” بتراب جماعة بوحلو سيتم رفعه إلى الوزارة المكلفة بالمياه والغابات للعمل على تحقيق هذا الملتمس، خصوصا أن محطة معالجة مياه الشرب التي تزود الساكنة بست جماعات بكل من تاونات وتازة المقامة على واد إيناون توقفت بشكل كلي بعد نضوب المياه وانقطاعها من واد إيناون.
وأشار الخلفاوي إلى أنه تمت صياغة ملتمس من المجلس الجماعي “عين لكدح” في إطار “برنامج عمل الجماعة” هذه السنة، قصد “بناء سد صغير آخر على واد إيناون على مستوى دوار سيدي عبد الله جماعة بوحلو من أجل تعبئة المياه لاستغلالها للسقي بالأراضي السفلى من حوض إيناون، ومواجهة ندرة المياه خلال سنوات الجفاف”.
وتساءل فاعلون جمعيون بمنطقة حوض إيناون، تحدثت إليهم هسبريس وعاينَت صورا ومقاطع فيديو تبرز حجم الأضرار اللاحقة بهلاك المزروعات وجفاف حقولها، عن “ماذا أعدت الحكومة من إجراءات لتعويض فلاحي هذه المنطقة بعد هلاك مئات الهكتارات من حقول البصل، الطماطم والذرة والبطيخ و’الدلاح’؟”.
يوسف اعبيدة، فاعل جمعوي قاطن بإحدى الجماعات المتضررة، قال إن الفلاحين بثلاث جماعات متضررة هي “عين لكدح، وبوحلو، وسيدي عبد الجليل” يشتكون من هلاك مزروعاتهم على طول ضفتي نهر إيناون، منبها في تصريح لهسبريس إلى أن “استنزاف الموارد المائية جراء استعمال مضخات الماء وحفر الآبار بشكل عشوائي يظل هو السبب الأساسي في ما آل إليه الوضع بحوض ايناون”.
بينما اعتبر حميد أوشن، رئيس الفرع المحلي لـ”الهيئة المغربية لحقوق الإنسان” بتاهلة، أن ما يقع في ضواحي مجرى واد إيناون “يؤثر سلبا على القوت والمعيش اليومي للساكنة المعتمدين على الفلاحة الموسمية المسقية من مياه الوادي، فضلا عن أزمة العطش والعجز المائي”، منبها في حديث مع هسبريس إلى أن “الساكنة القروية هناك قد تجد نفسها مضطرة للهجرة إلى المدن”، موردا مطالب الهيئة الحقوقية بـ”ضرورة إيجاد حلول لهؤلاء الفلاحين قبل فوات الأوان”.
من جهتها، عبّرت “وكالة الحوض المائي لسبو” المسؤولة عن تدبير مياه المنطقة، على لسان نور الدين السرغيني، مسؤول التواصل بالوكالة، في اتصال هاتفي مع هسبريس، عن “عدم علم مصالحها المركزية بموضوع نهر إيناون بالذات”، مكتفيا بالقول إنه تمت، منذ أشهر، مباشرة عملية جرد واسعة للنقط المائية الواقعة بكل من إقليميْ تازة وتاونات، مؤكدا أن إقليم تاونات يتوفر على 15 ألف نقطة مائية (ألف منها تظل غير مرخصة) بينما يتوفر إقليم تازة على حوالي 500 نقطة مائية، حوالي 100 منها غير مرخصة، قبل أن يشير إلى أن “مسطرة الإنذارات والتنبيه” قد بدأت فعليا في هذا الصدد.
ويعتبر حوض إيناون من بين الأحواض المهمة شمال ووسط المغرب باعتباره أحد الروافد المهمة على أكبر نهر بالبلاد (سبو)، كما تسائل إشكالية نضوب مياهه وجفاف محيطه جوانب متعددة تتداخل فيها منظومات بيئية ومائية ومناخية على الخصوص، في ظل توالي سنوات الجفاف وظهور نقص في المياه الناجمة عن التقلبات المناخية التي يعرفها “الكوكب الأزرق”.