نظم مختبر الأبحاث حول الانتقال الديموقراطي المقارن بكلية العلوم القانونية والسياسية، بشراكة مع جامعة الحسن الأول بسطات ومحكمة الاستئناف بسطات وهيئة المحامين وغرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة الدار البيضاء سطات وماستر الاستثمار والأعمال ندوة علمية وطنية في موضوع “منظومة العدالة والنموذج التنموي الجديد”، اليوم السبت بقاعة الندوات والمؤتمرات بجامعة الحسن الأول.
وعرفت الندوة حضور عامل إقليم سطات ورئيس جامعة الحسن الأول والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ونقيب هيئة المحامين بسطات، إلى جانب مجموعة من الأساتذة الجامعيين والمسؤولين القضائيين والقضاة والمحامين ومختلف الفاعلين الحقوقيين والقانونيين والطلبة الباحثين والإعلاميين.
وخلال الجلسة الافتتاحية أكد عامل الإقليم أن موضوع الندوة يكتسي أهمية خاصة، في ظل الأوراش المفتوحة من أجل تنمية المجالات الاقتصادية والاجتماعية تحت قيادة الملك محمد السادس.
وأفاد رئيس جامعة الحسن الأول، في كلمة له، بأن الجامعة تنخرط بقوة في تنزيل مرتكزات النموذج التنموي الجديد من خلال مجموعة من المحاور البيداغوجية والتدبيرية.
وأشار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بسطات إلى أن موضوع الندوة يعد من الاهتمامات الأساسية من منطلق أن العدالة أساس الحضارة والأمن والاستقرار، وأن تطوير منظومة العدالة كان على الدوام من الانشغالات الملكية السامية، مضيفا أن المستجدات الدستورية وتوصيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة وصدور القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة ومدونة الأخلاقيات القضائية والسعي نحو تحديث الإدارة القضائية كان لها الفضل في تطوير أداء السلطة القضائية بما يتلاءم مع مرتكزات النموذج التنموي الجديد.
وفي السياق ذاته، أشار نقيب هيئة المحامين بسطات إلى أن مقومات النموذج التنموي تقتضي التأهيل القانوني لكافة مكونات العدالة والتأهيل الرقمي واللوجيستيكي، مع السعي نحو ضمان استقلال السلطة القضائية ونفاذ القانون بشكل يؤدي إلى حماية حقوق المتقاضين وحقوق الدفاع وتبديد الإكراهات، لاسيما ذات الصلة بالرأسمال البشري.
وفي كلمتها أكدت عميدة كلية الحقوق بسطات أن تلبية حاجيات المواطنين والمواطنات تحتاج إلى عدالة قوية قادرة على تحقيق التنمية، وهو ما لا يمكن أن يكون إلا بتكريس استقلال السلطة القضائية، والسعي نحو ملاءمة النصوص القانونية مع المستجدات الطارئة، واحترام الأجل المعقول خلال البت في الملفات والقضايا.
وأطرت الجلسات العلمية المعتمدة في برنامج الندوة من طرف مجموعة من الأساتذة المختصين والمهتمين من خلال محورين أساسيين: الأول منظومة العدالة وحماية حقوق الإنسان، والثاني آليات تحقيق التنمية في منظومة العدالة.
وبعد طرح المواضيع ذات الصلة بالمحورين المذكورين ومناقشتها بكل تجلياتها وإشكالياتها، انتهت الندوة بمجموعة من التوصيات، هذا نصها:
ـ الكلفة الحقوقية والمادية التي تتحملها الدولة وكافة المؤسسات العمومية نتيجة عدم تأهيل المواطن ليكون فاعلا إيجابيا في المنظومة القانونية والقضائية تقتضي اتخاذ التدابير الآنية لمواجهتها، وفق مقاربة شاملة ومندمجة قادرة على جعل المواطن مؤثرا في تنزيل خلاصات النموذج التنموي الجديد.
ـ مساهمة العدالة في بلوغ مرتكزات النموذج التنموي الجديد رهينة بأداء المهام الوظيفية لكافة مكوناتها بكل نزاهة ومسؤولية، والانصياع للضوابط الدستورية ومبادئ الحكامة الجيدة وضمانات المحاكمة العادلة.
ـ تعزيز الثقة في القضاء باعتباره الرافعة الأساسية للتنمية المستدامة يشكل تحديا يتعين رفعه بتطوير منظومة العدالة وتحسين أدائها لمواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية.
ـ ضمان الولوج إلى القانون والعدالة يقتضي تحديث التشريعات الوطنية لتواكب المستجدات الواقعية اللامتناهية وملاءمتها مع المواثيق والالتزامات الدولية، خاصة ذات الصلة بحقوق الإنسان والقوانين الجنائية الإجرائية والموضوعية، لاسيما اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ظروف المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية.
ـ ممارسة السلطة القضائية لمهامها الدستورية والحقوقية وفق المعايير الدولية مشروطة بتعزيز استقلالها الوظيفي باستقلالها المادي.
ـ انخراط العدالة في تنزيل مخرجات تقرير النموذج التنموي الجديد رهين بتحسين آليات التعاون والتنسيق بين كافة الفاعلين والمتدخلين في مجال العدالة والعمل الواعي والمنسجم بين جميع مكوناتها.
ـ اعتبار مهنة المحاماة شريكا أساسيا في إنتاج العدالة رهين بتأهيل وتخليق كافة مكوناتها واحترام أعرافها وتقاليدها، مع السعي نحو تعزيز استقلاليتها بتدبير شؤونها المهنية والاجتماعية، وإشراكها في صياغة النصوص ذات الصلة بالممارسة المهنية، مع تعديل القانون المنظم للمهنة بما يتلاءم مع مستجدات المرحلة.
ـ الانتقال الرقمي للعدالة وفق المخطط التوجيهي للتحول الرقمي المعتمد من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالعدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة يقتضي ابتداء تسريع المعالجة التشريعية لهذا التحول وفق مقاربة تشاركية، والسعي نحو تأهيل كافة مكونات العدالة لجعلها قادرة على مواكبة هذا التطور، ومسايرة التحولات ذات الأبعاد المتعددة، ضمانا لعدالة ذكية، سريعة، شفافة ونزيهة.
ـ التحول الرقمي للعدالة يفرض إشراك المواطن في تدبير العدالة الرقمية، وإصدار دليل استرشادي وتوجيهي لتسهيل ولوجه الى القانون والعدالة، مع السعي نحو تقوية البنية التحتية الرقمية، واعتماد آليات ضامنة للأمن الرقمي والأمن الشخصي.
ـ تنزيل مرتكزات النموذج التنموي الجديد يقتضي تحقيق مبدأ تراتبية القوانين في العلاقة القائمة بين القاعدة الدستورية والاتفاقيات الدولية، ومواكبة الاجتهاد القضائي في المادة الدستورية للتطور الحاصل على مستوى أجيال حقوق الإنسان.
ـ السعي إلى تبسيط مسطرة الدفع بعدم دستورية القوانين وتدقيق نظام التصفية من حيث الأجل والبت.
ـ إعادة النظر في السياسات العمومية المعتمدة عبر تنزيل ورش الحماية الاجتماعية من خلال النصوص التنظيمية وتقوية دور الدولة المتدخلة، لا سيما في القطاعات الاجتماعية من أجل دعم وأجرأة المبادرات التنموية.
ـ بلورة وإعداد مخطط للتكوين من طرف كلية العلوم القانونية والسياسية بسطات ومحكمة الاستئناف بسطات وهيئة المحامين بسطات يتمحور حول الأخلاقيات القضائية والأعراف المهنية، لا سيما ذات الصلة بمبدأ استقلال السلطة القضائية والحياد والنزاهة واللياقة والمساواة والاجتهاد وآداب العقل الجمعي في تعامله مع المؤسسات الناظمة للعدالة.
ـ ضمان التوازن التنافسي رهين بتعزيز دور القضاء في مجال المنافسة بالتفكير في خلق محاكم أو على الأقل أقسام أو غرف متخصصة في منازعات المنافسة على غرار التجربة الفرنسية.
ـ تحقيق مخرجات النموذج التنموي الجديد في شقه المتعلق بالحقوق والحريات رهين بدعم الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، لاسيما التحكيم لما له من صلة بمجال الأعمال والاستثمار ولما يوفره من اقتصاد في تدبير الزمن ومرونة وفعالية ونجاعة في فض المنازعات.
ـ انخراط المحاكم المختصة في مواكبة خصوصيات التحكيم التجاري، لاسيما على مستوى مسطرة تذييل المقررات التحكيمية بالصيغة التنفيذية وتسهيل تشكيل الهيئات التحكيمية.
ـ السعي نحو تعميم وإشاعة نشر قرارات محكمة النقض باعتباره من مداخل تعزيز الثقة في السلطة القضائية، وإشاعة الثقافة القانونية وضمان الأمن القضائي.