أجمع المتدخلون في أشغال دورة 2022 من الجامعة المغاربية الصيفية، التي انطلقت الجمعة 15 يوليوز الجاري بمدينة مراكش، على أن فئة الشباب التي تشكل نسبة مهمة داخل المجتمعات المغاربية تعد الأكثر تضررا من الاختلالات المتعلقة بإشكالية العدالة المجالية، التي تعتبر مدخلا أساسيا لإحقاق العدالة الاجتماعية.
وضمن كلمته في الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة التي أطلق عليها دورة الراحل عبد الغني الخرشي، المنظمة على مدى يومين من طرف منظمة العمل المغاربي بشراكة مع مؤسسة “هانس زايدل” حول موضوع “الشباب والعدالة المجالية”، أشار إدريس لكريني إلى أن الشباب يشكلون نسبة مهمة داخل المجتمعات المغاربية، وهم الفئة الأكثر دينامية وتعلما وانفتاحا وتكوينا في مجال التكنولوجيا الحديثة، التي أثبتت جدارتها في مختلف المجالات العلمية والعملية، ولكنها ما زالت تعيش على إيقاع الكثير من الأوضاع السلبية والإكراهات.
وأرجع المتحدث نفسه، الذي يشغل رئيسا لمنظمة العمل المغاربي، “ما يعيشه الشباب كفئة تعد الأكثر تضررا من الاختلالات المتعلقة بإشكالية العدالة المجالية ونواقصها من إكراهات، إلى مجموعة من المشاكل المتصلة بالمشاركة السياسية والاندماج المنتج والمنفتح في بلدانهم”.
لذا، يرى أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش أنه “يجب الحد من الفجوات الترابية وإعادة التوزيع المتوازن للفرص والإمكانيات في النهوض بأوضاع الشباب”.
وفي الجلسة الأولى لهذه الندوة العلمية التي تميزت بمشاركة عدد من الباحثين من المغرب وليبيا ومصر، شرح الجيلالي شبيه، من كلية الحقوق بمراكش، تداخل علم الجغرافيا وعلم التاريخ وعلم الاجتماع على المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وخصوصا الجانب السياسي الذي له علاقة وطيدة بإعداد المجال.
وأكد أن طبيعة الحكم تؤثر على تدبير واحتكار المجال من طرف السلطة الحاكمة، وأن المغرب عرف محطات أساسية في الحكم عبر اعتماده على عدة أشكال للامركزية، كاللامركزية السلالية واللامركزية الاحتكارية، موردا: “كلما كان هناك تمركز للسلطة يستدعي اجتذاب مناطق أخرى من المجال لتوسيع الحكم، يتخذ توزيع المجال منحى تنازليا وآخر تصاعديا، يتجلى في توفر مرافق عمومية”، وتطرق أيضا للتفاوتات المجالية بين الجهات وداخلها.
وعن قضايا الشباب الليبي والمشاركة السياسية، قال الليبيان الدكتور نوري محمد إبراهيم والباحثة في القانون العام والعلوم السياسية عمار سلامة إن الأوضاع القائمة بالبلاد ساهمت بشكل كبير في عزوف الشباب الليبي عن المشاركة السياسية، كما أن التفرقة والنزعة القبلية أثرتا بدورهما في الأوضاع الحالية للبلاد، ثم أكدا على أهمية التوافق بين الفاعلين كسبيل لتحقيق التنمية وإدماج الشباب وتحفيزهم على المشاركة السياسية خدمة لمصالح البلاد، واستثمار الإمكانات البشرية والطبيعية المتوافرة.
وتناولت ليلى ماندي، مديرة المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الماء والطاقة بجامعة القاضي عياض، إشكالية استهلاك هذه المادة الحيوية وتدبيرها وتوزيعها حول التراب الجغرافي، وقدمت إحصائيات توضح طريقة التوزيع المائي عبر المجال الجغرافي للمغرب، وعرضت بعض مكونات المخطط الوطني “2016-2030 PNAM”، وأشارت إلى السياسة المائية الوطنية من خلال أهمية السدود ودورها في حماية هذه الثروة وترشيدها عبر الاستغلال المعقلن للمياه في ظل ندرتها، وتقلص الموارد المائية والتوزيع غير العادل للمخزون المائي بالجنوب، وأوضحت أن الدولة المغربية قامت بإنجاز مجموعة من المشاريع الاستراتيجية، من قبيل تعزيز شبكة السدود وبناء محطات تحلية المياه وأخرى لمعالجة المياه العادمة وتدبير النفايات والتطهير السائل.
أما أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق بمراكش نوفل غيفي، فتطرق إلى نظريات فقهية في مجال الاستثمار والتدبير، مركزا على الأخير في مجال خلق المقاولة بالإمكانيات المتوفرة بدل الاعتماد بالأساس على خلق المشاريع من طرف الدولة، ثم عرض بعض التجارب الدولية في تدوير بعض النفايات الصناعية خدمة للتنمية وبعض الفئات الاجتماعية المعوزة مثلما تم في الهند، واستحضر جهود فاطمة المرنيسي كباحثة اجتماعية مغربية أولت اهتماما بالمناطق النائية في المغرب.
وسلط مصطفى جاري، أستاذ السياسات العمومية وحقوق الإنسان بكلية الحقوق بمراكش، الضوء على رهانات وتحديات تدبير السياسات الترابية المجالية، مؤكدا أن العدالة المجالية تساوي العدالة الاجتماعية، وأن الرهانات تقتضي توجها معينا في السياسات العمومية، ولا مجال لمقارنة دولة غنية مع دولة فقيرة ودولة متخلفة مع دولة متقدمة في علاقتها مع الديمقراطية، وأن صناعة السياسة المجالية تتطلب المشاركة الفعالة كمشروع مجتمعي لعقلنة السياسة العمومية وصناعة القرار، بإشراك الفاعليين المحليين، عبر تمويل المشاريع بإمكانات محلية دون الاعتماد فقط على الضرائب.
وتساءل محمد البوعيادي، أستاذ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، خلال مداخلته التي تناولت موضوع السينما والعالم القروي، عن حاجة القرية الى عدالة الفرجة والتلقي، مشيرا إلى أن هذا العالم غائب في الصناعة السينمائية، ولفك العزلة عنه وضعت الدولة برنامجا لإحداث 150 دارا للشباب كبديل للقاعات السينمائية في أفق إقرار عدالة سينمائية.