كما في المدن الكبرى، لم تعد مهنة تعليم السياقة والتدريب حكْرا على الذكور بالمراكز القروية، بعد إن اقتحمتها نسوة عن جدارة، وأضحت منافسة للرجال؛ ما جعل التجربة النسوية تصبح ملهمة للعديد من الراغبات في العمل.
أميمة (31 عاما) هي امرأة من نواحي بلدة سبت أولاد النمة بإقليم الفقيه بن صالح دأبت، منذ أزيد من خمس سنوات، على تعليم السياقة للشباب الراغبين في الحصول على رخصة السياقة من نوع (ب)، وهي للإشارة رخصة تمنح لقيادة العربات الخفيفة.
تقول أميمة إن الوضع المعيشي الصعب، وعدم توفّر فرص عمل نسوية بالمنطقة قادها إلى العمل في هذه المهنة لتأمين احتياجات أسرتها إلى جانب زوجها، مشيرة إلى أن مزاولتها لهذه المهنة فرضته ظروف العطالة بعد توقفها عن الدراسة.
وتعدّ التجربة استثناء في هذه المنطقة ذات الطابع القروي، حيث لا تزال مهنة تعليم السياقة والتدريب لتأمين لقمة العيش حكرا على الرجال. وتميّزُ السيدة في هذا العمل جعلها مُلهمة للعديد من السيدات اللواتي يبحثن عن مصدر رزق حتى لو كان شأنا خاصا بالرجل.
وتعتبر مهنة تدريب السياقة بالمراكز الحضرية ذات الطابع القروي، مهنة ذكورية؛ إلا أن أمُيمة كسّرت حكْر الرجال لهذه المهنة، وأرادت أن تكون قدوة لغيرها من النساء في اختيار العمل الذي يرغبن فيه، وفق ما أورده مدرّبون لهسبريس.
وتعتبر مهنة مرشد السياقة أو مزاولتها من أكثر المهن التي تستقطب العشرات من الشباب في ظل غياب فرص الشغل جرّاء عدم توفر المنطقة على مصانع ومقاولات كبرى للتشغيل، بالنظر إلى استحواذ القطاع الفلاحي على باقي القطاعات بالإقليم.
وإذا كان النقل الحضري موسوما بالفوضى وعدم احترام المعايير القانونية المعمول بها، فإن إكراهات قطاع تعليم السياقة لا تقل أهمية؛ ليس فقط بالنظر إلى الشروط التي قيدت بها الوزارة عمل هذه المؤسسات، وإنما أيضا بحكم الشروط التي يعمل فيها مهنيو القطاع، حسب ما جاء في تصريحات متطابقة لهسبريس.
صالح إكّان، مدرّب بمؤسسة خاصة بتعليم السياقة – (Moniteur)، يحكي لهسبريس أن القطاع بالمدينة لا يتوفر على حلبة خاصة بالتدريب على السياقة، وأن المساحة المتوفرة الآن والتي هي بالمناسبة مجرد مرأب عمومي بجوار المسبح الجماعي لا تتسع للمتدربين؛ ما يشكل خطرا على الجميع.
بدورها، ترى كوثر سيف الدين (21 عاما)، وهي طالبة تتابع دراستها بالسنة الثالثة شعبة الرياضيات ومن المترشحات للحصول على رخصة السياقة من نوع (ب)، أن المكان ضيق جدا، ولا يتوفر على مكان يقي المترشحين من حر الصيف وبرد الشتاء، إلا أنه مع ذلك لا يشكل خطورة على المرتفقين والعربات.
وتعتبر الطالبة المذكورة رخصة السياقة من الوثائق الضرورية للمرء، مهما اختلف جنسه (ذكرا أو أنثى)، مشيرة إلى أن ظروف العمل وزحمة السير ناهيك عن متطلبات الحياة باتت تفرض على كل أسرة التوفر على وسيلة للنقل بغض النظر عن نوعيتها أو كلفتها.
وأبرز إكّان، في حديثه مع هسبريس، أن المجالس الجماعية بشكل عام، لا تعير اهتماما ملحوظا للقطاع الخاص على الرغم من أنه شريك في التنمية المحلية، ويوفر فرص شغل أكثر مما يوفرها القطاع العمومي، ويحتاج إلى الدعم والمواكبة لتحقيق الأهداف المرجوة منه.
وتروي أميمة أن العشرات من الراغبات في نيل رخصة السياقة يفضلون التعلّم على يد فتاة عوض رجل، كما هو الشأن أيضا للأسر المحافظة، مشيرة إلى أن أغلب المؤسسات التعليمية تضطر إلى الاعتماد على العنصر النسوي.
وأضاف أميمة أنها درّبت الكثير من السيدات من جميع مناطق الإقليم، حيث كان يتم طلبها بشكل شخصي نظرا لمهارتها واتقانها للمهنة بشكل جيد، لافتة إلى أنها تملك رخصا أخرى وتعتبر من الفتيات الأوائل اللواتي اقتحمن هذا المجال بالعالم القروي بالفقيه بن صالح.
وأبرز صالح إكّان أن وجود أميمة داخل المدرسة التي تعمل على التدريب على القيادة يشجع الكثير من الفتيات من أجل التسجيل داخل المدرسة والانضمام إليها، خاصة أن الفتيات يجدن راحة عندما تكون المدربة سيدة.
وأفاد المدرّب بمؤسسة خاصة بتعليم السياقة بأن إشكالات القطاع متعددة، وأن الحلقة الأضعف فيه هم المرشدون في تعليم السياقة والتدريب (les Moniteurs) الذين يكابدون من أجل ضمان لقمة العيش.
وأجمع عدد من أرباب سيارات تعليم السياقة، في تصريحات متطابقة لهسبريس، على حاجتهم الملحة إلى حلبة خاصة محصنة من باقي وسائل النقل ومؤهلة بالكراسي وبمرافق صحية لكافة المرتفقين، معربين عن أملهم في أن يصدر المجلس الجماعي قرارا يتم بموجبه تخصيص هذا المكان كحلبة للتعليم والتدريب بشكل نهائي.