في “نمط تواصلي جديد” بدأ يتواتر مؤخرا ليتحول إلى ما يشبه “موضة سياسية”، لوحظ ظهور بعض النواب البرلمانيين في بث مباشر، أو عبر فيديوهات ملتقطة بشكل شخصي، على صفحاتهم أو حساباتهم على “فيسبوك” أو منصات التواصل الأخرى وهُم بصدد إلقاء مداخلاتهم أو الرد خلال جلسات ونقاشات اللجان البرلمانية الدائمة، التي يعتبر سير أشغالها “سرّيا” بحكم مقتضيات القانون الداخلي لمجلس النواب، في حين مُنِع، غير ما مرة، حضور وسائل الإعلام “غير الرسمية” والصحافيين، ما يطرح سؤال مدى قانونية هذه الممارسات والأفعال في علاقة بالقواعد التنظيمية الداخلية المتعلقة بـ”سرية” الأشغال.
وبين من يرى في الأمر بروز “نمط تواصل برلماني جديد” يعزز علاقة المنتخبين بالناخبين، يعتبر آخرون أن الأمر متضمن لـ”خرق لسير تنظيم بعض اجتماعات اللجان البرلمانية” التي يتم خلالها تداول ومدارسة معطيات تكتسي في الغالب طابع “السرية والخصوصية”، ما يجعل الآراء متباينة بين مؤيد ومعارض لممارسات بعض “نواب الأمة” الذين يفترض فيهم الحفاظ على قدر عال من “الالتزام والانضباط” بقواعد المجلس وآدابه، في ظل ما تقتضي “مكانتهم الاعتبارية” لدى المواطنات والمواطنين الذين انتخبوهم قصد تمثيلهم والدفاع عن مصالحهم.
وتنص المادة 96 من النظام الداخلي لمجلس النواب كما أقرته المحكمة الدستورية سنة 2017، بشكل صريح، على أن “اجتماعات لجان المجلس سرية”، إلا في حالات محددة “يمكنها عقد اجتماعات علنية إما بطلب من رئيس المجلس أو من الحكومة أو من مكتب اللجنة أو من ثلث أعضائها”، في حين “يمكن أن تنعقد الاجتماعات بصفة علنية في الحالات التالية: موضوع طارئ وعاجل يقتضي إلقاء الضوء عليه، أو نص تشريعي يهم شريحة واسعة من المواطنين والملزمين، أو موضوع رقابي يستأثر باهتمام الرأي العام الوطني”.
مقتضيات المادة المشار إليها أكدها مصدر من مكتب مجلس النواب تحدث لهسبريس، الذي شدد على ضرورة “عدم مخالفة النص الدستوري لعام 2011 الذي نص ضمن الفصل 68 على سرية أشغال ومداولات اللجان النيابية”، موضحا في هذا الصدد أن النظام الداخلي لمجلس النواب “جاء فقط تطبيقا وتفعيلا لقاعدة دستورية في الأصل”.
واعتبر المصدر ذاته ما يقوم به بعض النواب من نقل مباشر لكلماتهم أثناء اللجان، “مخالفة صريحة لمقتضيات قانونية”، مؤكدا حرص مكتب المجلس خلال مناقشته مضامين النظام الداخلي الجديد الذي يجري تعديله، على ضمان أن تبقى “السرية هي الأصل، بينما العلنية ليست إلا استثناءً في حالات مؤطرة قانونا”، مردفا بأن “الاستثناء يجب أن يُفهم في حدود ضيقة”.
وخلص المتحدث لهسبريس إلى أن “مكتب مجلس النواب يتبنى موقفاً متشددا تجاه مخالفي مقتضيات نظامه الداخلي، ولن يتنازل عن ذلك في إطار إعمال القانون والحرص على تنفيذ”، مؤكدا حرص المجلس على “تضمين وتدقيق حالات العلنية واستثناءاتها بشكل صارم”.
من جانبه، اعتبر أحمد بوز، أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية السويسي بالرباط، أن “المسألة تظل غير مسموح بها من حيث المبدأ القانوني”، مرجعا لجوء بعض البرلمانيين إلى نشر “لايفات على صفحاتهم” إلى اعتبارات قد تكون “زبونية تتعلق أساسا بتسويق صورة البرلماني مظهريّاً لدى ناخبيه وباقي المواطنين”، مستنتجا أنها “ظاهرة جديدة من ضرائب التطور التكنولوجي وثورة وسائط التواصل والمعلومات”.
وخلص الأستاذ الجامعي، في تصريحه لهسبريس، إلى أن “المشرّع قد يذهب حد التشديد في الأمر ضمن مدونة السلوك في النظام الداخلي، أو قد يكتفي بمجرد تنبيه البرلمانيين”، باعتبار اللجان الدائمة هي “المطبخ الحقيقي للتشريع ومراقبة العمل الحكومي”، لافتا إلى رهان “التوفيق بين الحاجة إلى توفير المعلومة وإتاحتها للعموم، وبين حُرمة البرلمان كمؤسسة دستورية للتشريع والتمثيل الشعبي”.