اجتمع أربعتهم، وخامسهم طموحهم المشترك مع الدولة العميقة لفرنسا، في أن يروا يوما ما، قبل ملاقات ربهم، البلاد التي ولدوا فيها وتربوا فيها وأكلوا من نعيمها، واصطلوا من دفئها وحنانها، وانتمت جيناتهم العرقية إلى تربتها، أن يروها وهي تسقط أو تدمر أو تفلس مؤسساتها وتعيش حالة الفوضى.
هذه البلاد هي المملكة المغربية، وهؤلاء الأربعة هم الفاشلون الذين خاب مسعاهم في الوصول إلى مرادهم منها، أبوبكر الجامعي، فؤاد عبد المومني، خالد البكاري والراهب الأكبر المعطي منجيب.
جلسوا والخوف في عيونهم من ألا يتحقق طموحهم الفوضوي هذا، جلسوا حول راهبهم، يتلو عليهم تراتيل شعوذة، لعله استقاها من كثرة تعاطيه لتعاليم الدين الجديد، التي اتبعه منذ زمن، دين تلك المنظمات الحقوقية الشيطانية، الذي يدعو إلى طريقة مثلى في مهاجمة الأوطان المستقرة، وإلى الانخراط في خطط الشيطان لخلق الفوضى في المجتمعات بحجة الرغبة في جعلها مجتمعات كونية مفتوحة!
فلما اجتمع الرهط الأربعة، مؤخرا، على دين مسيلمة الجديد، دين الفرقة وخدمة بعض الأجندات الخارجية الخبيثة، ألقوا أقلامهم، وأطلقوا ألسنتهم أيهم يدلهم على الطريق إلى إسقاط الدولة، وإلى تفكيك مؤسساتها، ومن تم إلى جعلها لقمة سائغة لأسيادهم في الخارج، لعلهم يحققون رغبة سليمانهم أيهم يأتيه بعرش البلاد ومفاتيحها قبل أن يأتيه أهلها خانعين راكعين.
اجتمعوا وكان الأمل في أن يناقشوا اختلالات منظمات حقوقية دولية، حادت عن السكة وتحولت إلى منابر سياسية لخدمة أجندات مجهولة. ما حدث مؤخرا في تقرير منظمة العفو الدولية عن أوكرانيا، أثار اشمئزاز الحقوقيين عبر العالم، ولاسيما في الغرب وفي أمريكا، مما تسبب في موجة استقالات كثيفة هزت عرش المنظمة.
كان بعض الأمل قائما في هؤلاء الأربعة للرد ولو على جزء من اتهامات هذه المنظمة رفقة زميلتها في المهمة الخبيثة، هيومن رايتس ووتش، لكن الأمل خاب، وترسخت من جديد قناعة لا مفر منها أن هذه الشرذمة من القوم توغلت كثيرا في تبني خيارات خونة الوطن خدام أعداء المغرب. كنا نفترض أن يناقشوا مسألة مهاجمة المغرب واتهامه بالتجسس بدون حجج موضوعية ملموسة، لكن لم يحدث ذلك، رغم أن زعيم الدهاقنة الأربعة، المعطي منجيب، يدعي أنه أستاذ باحث وأن أسس البحث العلمي لا تستند على التصريحات والتقارير غير العلمية، وإنما تؤسس على البحث الموضوعي المجرد من أحكام القيمة، خصوصا أن الشركة الاسرائيلية المنتجة لبرنامج التجسس المثير للجدل، قالت إن برنامجها التجسسي المعد لتعقب المنظمات الإرهابية والجرائم العابرة للحدود، يستعمل في 12 دولة أوروبية، دول تتمتع بصيت كبير في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهل بعد هذا الاعتراف إلا البهتان المبين من طرف أعداء المغرب الذين صوروه متجسسا على العالم بأكمله؟
وبعدما ألقى الراهب تعويذاته من النظام والدولة، تلفظ تلامذته بقواميس لغوية مجهولة النسب والهوية كنتيجة لشذوذهم اللغوي وعهرهم الفكري، خلصوا إلى أن خططهم في مهاجمة الدولة ومؤسساتها مجتمعة لم تؤت أكلها في خلق الفوضى المأمولة. كانت نتيجة اجتماعهم باهرة قاهرة على مستوى التحليل الأفقي غير المستقيم، والعمودي المائل، فرأوا أنه بدل الاستمرار في مهاجمة الدولة ونظامها ورموزها وقائدها، عليهم أن يركزوا في المضغة التي تتشكل حولها الدولة.
وكم كانت نتيجة تحليلاتهم المخبرية السلبية مذهلة! فقد نجموا أن نظام القوم في المغرب، يستند على عصب واحد! هو مؤسسة الأمن من خلال شخصية المدير العام عبد اللطيف الحموشي. استنتجوا أنه بتوجيه كل سهام الانتقادات، والتهجمات، والاتهامات، ينبغي أن تتوجه إلى هذا الرجل وإلى هذه المؤسسة، فبسقوطه تسقط الدولة ككل أو على الأقل تزال أمامهم عقبة تجحب عنهم إطلاق الملايين للزحف على الدولة زنقة زنقة مرقة مرقة!
أي جنون هذا وأي هذيان أصاب حماق القوم هؤلاء؟ وأي سحر أجنبي أو مس تخريبي انقلابي أو تعويذة شيطانية أصابتهم في عقولهم؟ بقدر ما أضحوا يثيرون الشفقة لبساطة وسذاجة أفكارهم، بقدر ما أصبحوا محط تساؤل عن نواياهم الخبيثة وشبهة الخيانة لبلدهم.
ما لم يفلح أجانب في ضرب قدرات الأمن المغربي، من الخارج، يحاول الأربعة تقديم هذه الخدمة لكل الذين استرخصوا على المملكة المغربية، أن يكون لها أمن مستقل، قوي وسيادي وبارع مهنيا ودقيق التفاصيل، بشهادة العدو قبل الصديق.
يسير هؤلاء الأربعة في نفس خط السير، الذي كانت بعض أجزاء الدولة العميقة الفرنسية قد بدأته ولم تفلح فيه! حدث ذلك عندما فكرت هذه الدولة العميقة الفرنسية التي لاتزال تفكر بعقلية المستعمر، أن تستدعي عبد اللطيف الحموشي إلى مخفر الشرطة في باريس، أثناء زيارته لها. حاولوا اصطحابه إلى البحث معتقدين أنه في بيت السفير حينها، ولم تراع فرنسا حجم المخاطر التي قد تنشأ عن هذا السلوك، خصوصا أن الرجل له دراية متميزة بخرائط الإرهاب والجريمة المنظمة في مناطق شاسعة من العالم.
حنق فرنسا وتسرعها كان بسبب ما لاحظته بخصوص استقلالية القرار السياسي والاقتصادي في العهد الجديد، ومن جنوح للأمن المغربي، نحو خلق استقلالية في إتخاذ القرار الأمني، وفي بسط سيادته على هذا المجال الحيوي، وفي استعماله كوسيلة لتموقع المملكة على خريطة أقوياء العالم. الرهبان الأربعة يحاولون إتمام ما بدأته الدولة العميقة في فرنسا! وإنه لشيء مفزع أن يستعمل أبناء المغرب في محاولة تضييع جهود سنوات في بناء مؤسسات المغرب.
العالم كله شهد لهذه المؤسسة الأمنية ولهذا الرجل الذي يقودها تحت توجيهات ودعم الملك محمد السادس، من أدوار طلائعية وريادية في تعقب الإرهابيين والجرائم العابرة للحدود التي تشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين، حتى أصبح الأمن المغربي مدرسة عالمية في فهم طريقة تفكير العقل الإجرامي واستباق تحييده قبل تنفيذ أي عمليات عنف دامية تقتل الأبرياء وتزرع الرعب والخوف.
وها هي الوفود الأمنية الدولية تلو الوفود، تزور المغرب وتبرم الاتفاقيات الأمنية، وتنهل من خبرة المغاربة في مجال إنتاج الأمن وفهم خطط الإجرام، وتطلب كل ما له علاقة بالمعرفة الأمنية لاسيما أمام هول التنظيمات الإرهابية والإجرامية عبر العالم. لقد غدا للأمن أدوار جديدة من أهمها خلق مناخ مستقر يسهم في الرفاه الاقتصادي والتنمية.
المؤسسة الأمنية في المغرب عرفت تطورا لايمكن لعين أي شخص عاقل أن تخطئ النظر إليه والإقرار به. فالذين عاشوا سنوات الرصاص وأوجاع المعتقلات السرية، والاضطهادات في الشوارع ليل نهار، والتعذيب والاختفاء القسري ومحاضر التهم بدون ضمانات قانونية أو حقوقية، في زمن ولى منذ عقود في المغرب، لايمكنهم إلا أن يعترفوا أن الأمن المغربي أصبح له وجه مشرق، وجه إنساني اجتماعي، وجه منفتح متواصل قريب منصت لتظلمات جميع فئات المجتمع المغربي. ولو لم يكن الزمن الأمني قد تغير نحو الأفضل، لما تجرأ هؤلاء الأربعة على مهاجمة مدير الأمن، أو لوجدوا أنفسهم في دار بريشا جديدة يتذوقون وجبات الإذلال والتعذيب التي قطع معها المغرب ثقافة وسلوكا.
منذ بداية العهد الجديد، أضحت المؤسسة الأمنية أكثر دمقرطة وأكثر انظباطا لكل ما له ارتباط بحقوق الإنسان، ناهيك عن التطورات التي عرفتها المؤسسة على مستوى التحديث واستعمال العلم في التحري عن الجرائم وإثبات الدليل الملموس قبل أي متابعة أو إدانة، كل هذا تحت إشراف القضاء وبكل الضمانات القانونية المسطرية الممنوحة للأظناء.
فعلا صدق من قال إن زمن المناضلين الكبار قد ولى، وأصبحنا أمام مناضلين من كرتون، مناضلين أقزام يستقوون على بلدهم بأدوات الخارج، وبمنظمات الخارج، وبخطاب وأجندات الخارج. انتهى زمن المناضل الذي تصدى للمدفع في الشارع العام، المناضل الذي ترسخ في قلبه حب “تمغربيت”، وناضل بطريقة “تمغربيت”، وأصبحنا في حضرة مقاولين مناولين عن مقاولات أجنبية لاشك أنها لا تحب الخير لهذا البلد.
هؤلاء الأربعة لا يمكن تصنيفهم في أي خانة نضالية، فهم يعيشون تناقضات نفسية كبيرة، ويعشقون دور البطولة في مسلسل كرتون أطفال، فلا أخلاقهم تمنحهم صدق الترافع ضد عبد اللطيف الحموشي، ولا ماضيهم يؤهلهم لإعطاء الفتوى النضالية والسياسية للمغاربة.
فمنهم من أغلق مقاولته الإعلامية وهاجر إلى الخارج بدون أداء حقوق موظفيه وعماله، وهذا حقوقي فاسد يعبث بشرف القاصرات ويسلبهن حقوقهن في زمن الطفولة والصغر، وهذا مناضل إلكتروني يكذب على زوجته بأنه تحت البحث والاستنطاق والملاحقة من قبل الشرطة، لينعم ببعض ليالي الخلوة غير الشرعية مع زوجات متهمين معتقلين بسبب فضائح أخلاقية أو غيرها، وهذا أستاذ باحث في التاريخ حول إلى أملاكه موارد مالية أجنبية، كان مفترض أن تستعمل في البحث العلمي في مركز وراكم العقارات. فهل هؤلاء بهذه الصفات النجسة، وبهذا الدنس يمكنهم أن يقارعوا نظافة يد عبد اللطيف الحموشي ونقاء سريرته وخوفه من الله وأمانته؟ فليحتفظ كل واحد بالجواب داخل سريرته وأمام ضميره وأمام الله.
أخطأ الدهاقنة الأربعة التقدير، وظنوا أن المغرب دولة ولدت لسنوات وأنها هشة يمكن النيل منها وزعزعة استقرارها بمجرد إطلاق تصريحات أو تحليلات خيالية. لقد جهلوا أو تناسوا أن الدول العريقة كالمغرب، وهنا يمكن للراهب الأكبر المعطي أن يفيدهم في ذلك، والتي لها تاريخ طويل من الوجود ومن المواجهات مع المحيط والعالم، يتشكل لأهلها وعي عميق بالأمن وبالحفاظ على التساكن والعيش المشترك بناء على منظومة القيم التي أجمعت عليها الأجيال المتعاقبة.
الاستقرار المغربي ينطلق من حرص رب أي أسرة مغرببة كيفما كانت، أو ربته، على الحفاظ على القيم والوحدة والسكينة، إلى مول الحانوت في الدرب الواحد، إلى الحي أو الدوار إلى المدينة ثم إلى البلد ككل.
أما المؤسسة الأمنية بكل هياكلها ومواردها، ما هي إلى حارسة على هذا الأمن العام والعمومي الذي ينتجه المغاربة جميعا كل دقيقة وكل يوم كل من موقعه، ومن وظيفته، وأن الدولة المغربية تقوم على هذا الوفاء وعلى هذا الانتماء المؤسس على حرص شديد من الجميع لضمان هوية مغربية خاصة ومتميزة عن باقي دول العالم.
إياكم نعني يا أربعة، واسمعي يا فرنسا!