تصورات حكمت عيش كثير من المغاربة، عبر القرون، توثقها ترجمة جديدة لكتاب الطبيبة ليجي، صدرت عن دار القلم العربي للنشر والتوزيع.
بعنوان “المعتقدات والطقوس الشعبية للمغاربة قبل مائة عام”، صدرت ترجمة سعيد عاهد، لكتاب الطبيبة الفرنسية التي ولدت بالجزائر، زمن استعمارها في القرن التاسع عشر، وزارت المغرب ودونت ملاحظاتها بعنوان “مدونات سفر: رحلة إلى مراكش”.
يحضر في هذا الكتاب توثيق لتصورات مغاربة مراكش ونواحيها مطلع القرن العشرين، ومغاربة آخرين، مسلمين ويهودا، حول الخلق، والعالم، والسماء، والأولياء، والقوى الشريرة، والحيوانات، والنباتات، والطب، والطعام، والتمائم، والسحر.
وتتقدم هذا الكتاب ديباجة للمقيم العام للاحتلال الفرنسي في المغرب، المارشال ليوطي، أثنى فيها على عمل الكاتبة مهنيا، وعلى مؤلَّفها، كاتبا: “إنك، في هذا المجال أيضا، تقدمين عملا ذا أهمية عالية، فأدب هذه البلاد الشعبي، العربي والبربري، يزخر بالإبداعات الفتانة، وكذلك الجميلة في كثير من الأحيان، والتي من الأهمية بمكان الحفاظ عليها في طراوتها”.
ويوثق هذا الكتاب تصورات مبنية على حوارات وملاحظات استقتها الطبيبة من مرضاها والمحيط المغربي الذي زارته، حول “جبل قاف” مثلا الذي يحيط العالم، والذي يتعذّر على البشر بلوغه، وعن “المعروف” الذي هو وليمة تنذر لله لتلطيف غضبه عند زلزلة الأرض، وعن أنواع تقديس الحجارة والمجاري المائية، ومن كانها أو من سكنها.
ومن بين ما يتحدث عنه الكتاب اعتقاد بأن “العشب يكف عن النمو في كل مكان قُتل فيه شخص ما”؛ لأن “الأرض لا تشرب دم البشر”، واعتقاد في قدرة “تربة قبور الأولياء على العلاج من الأمراض”، وهي “حَنّا الولي (حناء الولي)؛ ولهذا الغرض تنجز منها ‘لزقات’ تلصق على البشرة أو تمائم، وتذاب أيضا في مياه ضريح الولي الصالح، ما يحولها إلى بلسم لكل الآلام حتى الأكثر توليدا للأوجاع”.
كما يعتقد في قدرة هذه التربة على الحماية من اللصوص، وتصيب “بالعمى أو الشلل كل من يتجرأ على التسلل إلى مقامه بهدف السطو، بل إنه قد يجعله في عداد الموتى بسرعة”.
أما عن “عالم الجن”؛ فـ”يصعد الجن، في المساء، إلى سطح البسيطة، ويجب على المرء الاحتراز من إغاظتهم ابتداء من صلاة العصر (…) زد على ذلك أن الجن جد مزاجيين، ولا أحد يجهل أنه في حالة إقدام شخص على حفر الأرض ولم يرقهم الأمر فإنه سيجد عمله مخرّبا في الصباح، وحينها يصير من الواجب هبة الهدايا إليهم لإخماد غضبهم أو التوقف عن إنجاز الأشغال نهائيا”.
كما اعتُقد أن “للجن أو العفاريت أجساما غير مستقرة الشكل، وأن بمقدرتهم تقمص جميع الهيئات، وأن عدد ما يمكنهم محاكاته من مظاهر يصل إلى سبعة وسبعين مظهرا؛ لكنهم يتخذون في أغلب الأحيان، للعيش وسط الإنس، هيئات حيوانات أليفة، كالقطط والكلاب مثلا”.
وكتبت “الدكتورة ليجي” أن قول المغاربة “بسم الله” قبل سكب ماءٍ ساخن في دورة المياه “ليست له أي حمولة دينية في هذا السياق، بل هو تنبيه للجن لكي يتوفر لهم الوقت الكافي للانسحاب وعدم الإصابة بحروق”.
ومن بين ما يذكره الكتاب أن كسوف الشمس “ينذر دائما بوقوع حدث جسيم، يتجسد على العموم في وفاة شخصية مهمة أو اندلاع حرب (…) ويخلق دوما هلعا فائقا، ومن أجل تلطيف غضب الله، يؤمر الأطفال بالصلاة والسير في مواكب وأياديهم مربوطة خلف ظهورهم. ويأمل الناس أن هيئة الأطفال هذه، النظيرة لهيئة المتوسلين والسجناء، ستخفف من الغضب الرباني”.
كما يُرى الرعد و”التبروري” “أمارة يبعثها الله إلى البشر تعبيرا عن غضبه”.
ومن بين معتقدات طلب الأمطار، التي يذكرها الكتاب؛ أن “يستعمل الأطفال، أحيانا، الألواح التي يتعلمون فيها الكتابة لطلب الأمطار؛ ولهذا فهم يخرجون إلى أزقة المدينة حفاة وعراة الرؤوس، حاملين ألواحهم أمامهم وقد كتب عليها دعاء”.
وفي ما يتعلق بتدبير البيت في علاقة بالمعتقدات السحرية، يذكر الكتاب أن “إخماد نار الموقد منهي عنها، ويلزم أن تنطفئ لوحدها، وعدم كنس البيوت بعد غروب الشمس، علاوة على أيام الجمعة؛ ذلك أن الكانس يكنس معه، في هذه الأوقات، الخير من البيت”.
ويرد في الكتاب ذكر “جزية” نهر أم الربيع التي يحتاجها سنويا من الأرواح التي تسبح فيه، ودفع “النحس” الذي يمنع الزواج عن طريق الاغتسال بضريح مولاي مسعود برياض “لَعروس” في مراكش، كما يتحدث عن تطهير يهود المغرب أنفسهم قبل الصوم، عشية “يوم كيبور”، وهو ما يتم أيضا عن اختتام عيد الفصح “نْهار ميمونة”.
كما يقدم العمل عددا من الاستعمالات السحرية لنباتات المغرب، مثل “فْليّو” الذي يجلب الرزق، و”النعنع” الذي يجلب الحظ السعيد، و”البسباس” خاطف العقل…
وحول الجنين “الراكَد” الذي يمكن أن يولد متجاوزا تسعة أشهر من الحمل، يوثق الكتاب شعائر لإيقاظه، مع ذكره أن مغربياتٍ كن يربطن العقم بـ”أذية سحرية”.