دراسة تروم “إعادة قراءة عناصر النسق القائدي في مجتمع حوز مراكش في لحظة تحول فارقة تربط بين زمنين: قبل الحماية وفي خضمها” مع “إسقاط نتائج التحليل المتوصل إليه على واقع تدبير الموارد المائية في مدار مجال جغرافي ضم الجبال والسهول وما بينهما عبر اعتماد تقنية الانتقاء”، ضمها أحدث أعداد مجلة “ليكسوس” المتخصصة في التاريخ والعلوم الإنسانية.
جاء هذا في دراسة في العدد 43 من المجلة التي يمكن الاطلاع عليها رقميا، للباحث عبد الحكيم الزاوي، بعنوان “النظام القائدي وتدبير الماء في حوز مراكش”.
وتخلص الدراسة إلى أن الباشا الكلاوي كان “يعمد إلى احتكار الموارد المائية، وإعادة توزيعها وفق مقتضيات الإذعان السياسي”.
كما ذكر المصدر ذاته أنه مع “تركيز الصراع حول موردي الأرض والماء بين الفرقاء”، انعكس هذا التحول “على قيم المجتمع، وفكك من روابط تضامنه وتآزره، وعرّى عن جشع الأفراد، ونسف كل تراكم ثقافي كانت قد حصلته هذه الجماعات البشرية في تاريخها”.
بهذا، انغرست “القايدية في مجال الحوز وبعدها الحماية”، مما ترتب عنه “تفكيك المشترك القبلي التقليدي ذي الحمولة التضامنية”، مع “تغيير مسار مجموعة من الأودية والسواقي والعيون المائية لصالح إقطاعات الأسياد الجدد، مقابل حرمان المالكين الأصليين من حقوقهم المائية”.
وتقول الدراسة إن فهم مجتمع الحوز متعذر بدون العودة إلى طقس الماء داخله، مثلما يتعذر في مستوى ثان بدون العودة إلى نسقه القائدي. ويواصل معد الدراسة شارحا: “راهنت القائدية بعد شغور السلطة على مسألة احتكار الحقوق المائية، خاصة في عالية الجبل، واعتبرتها محور الارتكاز في ضبط مجال الحوز وهندسته، في قدم الجبال كما في سهلها، تهجيرا أو توطينا”.
وعاد الباحث إلى تشكل “المسألة القائدية” أولا “في شكل قيادات محلية متنازعة القوة والنفوذ، وفي مرحلة موالية في شكل طموحات سياسية تبُزُّ سلطة المخزن نفسه”، في سياق “أفرز نسقا مركزيا ظل منخورا بآفة الفساد من الداخل، ونظيمة إدارية مثخنة بالأورام والأعطاب فقدت قدرتها على ضبط الهوامش والأطراف”.
وتسجل الدراسة أنه مع “الحماية” زاد الاقتناع بأن “حيازة الأرض والماء مصدران من مصادر تشكيل السلطة والنفوذ داخل مجال الأطلس الكبير”، وهكذا برزت مع المقيم العام ليوطي “النزوعات الفردية للقياد في تملك الأرض والماء، وصار مجال حكم القايد خاضعا لتنظيم ترابي يعتمد على الملكية العقارية (…) وصار المجال خاضعا في إنتاجه لسلسلة الاقتصاد الرأسمالي”.
تم هذا في وقت “راهن فيه ليوطي على فئة القياد لفك ألغاز البنية العقارية شديدة التعقيد، وتسهيل انتقال الملكيات العقارية من القبائل إلى المعمّرين الجدد”، وبعدما تزايدت في نهاية العقد الأخير من القرن التاسع عشر “سلطة القيّاد”، حيث ظهر القائد “في صورة شخص يشتط سلطته من أجل الاستفراد بالعقار والماء، ويدفع نحو تغيير نظم وأشكال القواعد المرعية”.
وقد كان “القايد” يبدأ بـ”الاستحواذ على الأرض، ثم ينتقل إلى الحقوق المائية، وبعد ذلك يعمد إلى تحفيظها في اسمه كمالك شرعي جزاء خدماته الجليلة نحو المخزن الشريف”.
هذا المسار أفضى إلى “خلخلة البنية الإنتاجية المحلية، وتفكيك اللحمة الاجتماعية المدافعة عن الأرض والماء”.
ويقرأ الباحث قوة الكلاوي انطلاقا من مستويين: أولهما أن نفوذه السياسي وسلطته الوقتية متمركزان في قصباته في الأطلس، وثانيهما احتكاره لمعظم المنابع والسواقي في المجال.
ومع مستهل “عقد الحماية، بدأ الكلاوي في بسط سيطرته تدريجيا على حوض تانسيفت، والتحكم في مجراه الرئيس واد غدات، مما دفع بمالكيه الأصليين نحو الهامش، وعرض سكانه المحليين إلى أعمال السخرة والكورفي”.
وأجهز هذا التحكم على “منظومة الأعراف والمواثيق التي جرى التوافق عليها لقرون فيما يخص استغلال وتدبير المياه في المجال”، بعدما كانت قبائل زمران، مثلا، تفصل “حقوق الماء عن الأرض، وتمليك مياه السقي في لحظات الندرة، وتنظيم دورات السقي وفرديات الحصص المائية وفق نظام خاص يمنح لمنتسبي القبيلة الاستفادة من المياه على أساس قاعدة التراضي والتحكيم والتدقيق”.
كما بسط الكلاوي سيطرته المطلقة على مياه واد الزات، وفرض على الآخرين كراء المياه التي تفيض عنه بواسطة عقود إيجار، وبمثل هذا “كان سيد الماء المطلق في الحوز، يستحوذ بمفرده على مجمل مياه واد الزات، في عاليته كما سافلته، ما دام الماء كان يمرر من خزان إلى آخر، كما كان يرفض تدخل الإدارة في تقنين وتوزيع المياه بخلاف الأحواض الأخرى في الحوز (نفيس، غيغاية، أوريكة)”.
وسعى الكلاويون أيضا إلى بسط السيطرة على مسفيوة وأراضيها، مع ما رافق ذلك من مسلسل التهجير واقتلاع أشجار الزيتون وحرق البيوت، وتهجير 60 في المائة من سكانها عن أملاكهم، بقبائل تكانة وغجدامة وفطواكة، “ودفعوا نحو نصب الخيام في مجال قبيلة السراغنة، ومنهم من هاجر إلى المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، ومنهم من ارتحل إلى الجزائر”.
كما لم يكن “تجريد قبائل الحوز من أراضيها ومياهها كافيا لتوسيع نفوذ الكلاوي في الحوز، بل تشوف إلى عقارات الدولة، وضمن تنازلها عن مجموعة من العقارات من أهمها الكولف (…) في إطار عمليات شراء لا تعكس حقيقة قيمتها الإيجارية”.