متنقلا بين أرجاء الصحاري الإفريقية التي يعتبرها ملاذا له للهروب من “قسوة الإسمنت”، اختار الراعي محمد العيش في “عالم الصحراء” طيلة حياته، فكانت البداية من صحراء الجزائر والنهاية في صحراء زاكورة.
فعلى بعد 25 كيلومترا من الحدود المغربية-الجزائرية، يستقر محمد في صحراء محاميد الغزلان برفقة زوجته، مفضّلا بذلك البقاء في “نعيم الصحراء”، مثلما يطلق عليها، على الاستقرار في “جحيم المدينة”.
محمد الذي أمضى 37 سنة في القوات المسلحة الملكية، نشأ في تربة الصحراء واشتغل بها طيلة خدمته العسكرية وبها ظلّ حتى بعد حصوله على التقاعد، لأنه مسكون بالحرية المطلقة التي تدفعه إلى الاغتراب بين رمال الصحراء.
حكى راعي الغنم والإبل الذي التقه هسبريس بصحراء محاميد الغزلان عن نشأته، قائلا: “عشت سنوات طويلة بصحراء الحمادة على حدود الجزائر إبان الاستعمار الفرنسي، لكنني انتقلت إلى المغرب بعد حصول الجزائر على استقلالها”.
وأضاف: “تنقلت بين صحاري المملكة المغربية دون استثناء، بدءا من السمارة، وصولا إلى زاكورة وانتهاء ببوعرفة”. وزاد شارحا: “عشت أيضا في صحراء موريتانيا لفترة من الزمن”.
وأردف الرحالة الصحراوي: “أجد راحتي في قسوة الصحراء، فرغم الحرارة المفرطة، إلا أنني اعتدت عليها بحكم العقود التي أمضيتها بهذا المجال الشاسع”.
واستطرد قائلا: “اشتغلت لثلاثة عقود في الجيش، لأعود إلى نمط الترحال من جديد بعد التقاعد”. توقف محمد قليلاً قبل أن يسترسل بأن “ظروف العيش باتت أحسن بفضل توفرنا على الهاتف الذي يسهل المعاملات التجارية”.
“النشاط السياحي بصحراء محاميد الغزلان يساعدنا على جلب المنتجات الغذائية بفضل السياح والمرشدين السياحيين”، يلفت محمد الذي أوضح أن “الكثير من الرحل وافتهم المنية بهذه الصحراء بسبب العطش”.
ومع ذلك، لا يمكن للرجل أن يتخلى عن نمط الترحال بتلك “الصحراء الموحشة” حتى يسلم الروح إلى بارئها، كما أكد لنا خلال دردشة قصيرة جمعتنا به ونحن في طريقنا إلى “صحراء الشكاكة” بمحاميد الغزلان.
وختم محمد حديثه بالقول: “أعيش هنا بالتمر وحليب الماعز والشاي والخضراوات فقط. والحمد لله، لم أمرض قطّ في حياتي إلى حدود الساعة، وذلك بفضل الحياة الطبيعية البعيدة عن كآبة المدينة”.