نبّه أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي بمصر، إلى مسألة وصفها بـ”جد حاسمة” في قضية محاكمة الطالب المغربي إبراهيم سعدون، وهي حصوله على الجنسية الأوكرانية عام 2020، مشيرا إلى أنها “أحد أهم العناصر التي تكشف عن ماهية المحارب ونزع صفة الارتزاق، التي لا تتوافر لدى الآلاف الأجانب الذين يحاربون في صفوف الجيش الأوكراني”.
وقال الأستاذ الجامعي أيمن سلامة، في مقال له بعنوان “هل تمتع إبراهيم سعدون بضمانات المحاكمة العادلة؟”: “تنصّ جميع اتفاقيات جنيف الأربع، والبروتوكولان الإضافيان الأول والثاني، على حقّ المتهم في الحصول على حقوقه الأساسية وتأمين وسائل الدفاع، وقد شكّل حرمان المتهم من اختيار محامٍ للدفاع، أو من حصوله على محامٍ بالمطلق، أحد الأسس لوجود انتهاك للحقّ في محاكمة عادلة في عدة محاكمات لجرائم حرب بعد الحرب العالمية الثانية”.
وختم سلامة مقاله بالتأكيد على أنه “لا يجب أن تصير المحاكمات العَجِلة التي تجريها الدول لأسرى الحرب للحصول على منافع سياسية منهاجا”، موضحا أن “مصالح الدول السياسية لا يجب أن تطغى على الحقوق الأساسية لأسير الحرب ووصم أسرى الحرب من جانب الدولة الآسرة بالمجرمين أو الإرهابيين أو غيرها من وصوم تخرج عن نطاق اختصاصات الدولة الآسرة، ولا ينبغي أن يكون احتجاز أسرى الحرب عقوبة، ولكن يُسمح به كوسيلة لمنع المزيد من مشاركتهم في الأعمال العدائية، وبمجرد انتهاء النزاع المسلح يجب إطلاق سراحهم”.
وهذا نص المقال
تُعرّف وسائط الإعلام “المرتزق” بأنه المقاتل الأجنبي الذي تجنده أحد الدول أطراف النزاع المسلح الدولي، في معظم الحالات، مقابل أجر يفوق أجر المنتسبين إليها من أفراد قواتها المسلحة، وبلا مرية فذاك التعريف لا يعدو أن يكون عين الاختصار المخل.
يُعد البروتوكول الأول لاتفاقيات جينيف الذي صدر في عام 1977 “الجهيزة التي قطعت قول كل خطيب”، حيث تنص المادة 47 من البروتوكول على:
أولا: لا يحق للمرتزق أن يكون مقاتلاً أو أسير حرب.
ثانيا: المرتزق هو أي شخص:
أ. يتم تجنيده بشكل خاص محليًا أو في الخارج للقتال في نزاع مسلح؛
ب. يشارك، في الواقع، بشكل مباشر في الأعمال العدائية؛
ج. يكون الدافع للمشاركة في الأعمال العدائية أساسًا الرغبة في تحقيق مكاسب شخصية، وفي الواقع، يتم التعهد به، من قبل أو نيابة عن أحد أطراف النزاع، بتعويض مادي يزيد بشكل كبير عما تم التعهد به أو دفعه للمقاتلين من رتب مماثلة والمهام في القوات المسلحة لذلك الطرف؛
د. ليس من رعايا أحد أطراف النزاع ولا مقيما في إقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع؛
ه. ليس من أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع؛ ولم ترسله دولة ليست طرفًا في النزاع في مهمة رسمية كعضو في قواتها المسلحة.
بدون اختصار مخل، من الضروري للدفع بصفة المرتزقة على الأجانب الذين يقاتلون في النزاعات المسلحة توافر الشروط الواردة في المادة 47 من البروتوكول السالف بيانه وضرورة أن تكون الشروط مجتمعة ومتراكمة للزعم بصفة المرتزقة أو عملية الارتزاق غير المشروعة.
تجدر الإشارة إلى مسألة جد حاسمة في قضية محاكمة الطالب المغربي، وهي حصوله على الجنسية الأوكرانية عام 2020، وهي أحد أهم العناصر التي تكشف عن ماهية المحارب ونزع صفة “الارتزاق” التي لا تتوافر لدى الآلاف الأجانب الذين يحاربون في صفوف الجيش الأكراني.
ومن بين أشكال الحماية المختلفة التي وفرتها الاتفاقية، السعي إلى ضمان إقامة العدل بشكل صحيح حين تحاكم الدولة الآسرة أسرى الحرب الذين وقعوا في حوزتها حالما ارتكب هؤلاء جرائم حرب قبل أو أثناء خضوعهم للأسر، تأسيسا على ضرورة توفير ضمانات المحاكمة العادلة لأسرى الحرب أمام المحاكم، سواء العسكرية–في الأصل العام–أو المدنية على سبيل الاستثناء.
يعتبر حرمان أسير الحرب من محاكمة عادلة وحسب الأصول، انتهاكا جسيما بمقتضى اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة عام 1949، وبمقتضى البروتوكول الإضافي الأول عام 1977، كما تحظر المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكّلة تشكيلاً قانونياً حسب الأصول.
تشترط اتفاقية جنيف الثالثة على المحاكم التي يمثل أمامها أسرى حرب أن تقدّم ضمانتين أساسيتين، هما “الاستقلال” و”النزاهة”، وينصّ البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جينيف عام 1977 أيضاً على هذا المطلب.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنّ اتفاقية جنيف الثالثة تنصّ على أنّ محاكمة أسرى الحرب من اختصاص المحكمة العسكرية، ما لم تسمح قوانين الدولة الحاجزة للمحاكم المدنيّة بمحاكمة جنودها عن الجرم ذاته، غير أنّ هذا النص يشترط أنّه “لا يحاكم أسير الحرب بأي حال بواسطة محكمة أياً كان نوعها إذا لم تتوفّر فيها الضمانات الأساسية من حيث الاستقلال”، وهنا يدق السؤال الأهم: هل المحكمة التي مثل أمامها سعدون محكمة مختصة قانونا بملاحقة أسرى الحرب؟
تنصّ جميع اتفاقيات جنيف الأربع، والبروتوكولان الإضافيان الأول والثاني، على حقّ المتهم في الحصول على حقوقه الأساسية وتأمين وسائل الدفاع، وقد شكّل حرمان المتهم من اختيار محامٍ للدفاع، أو من حصوله على محامٍ بالمطلق، أحد الأسس لوجود انتهاك للحقّ في محاكمة عادلة في عدة محاكمات لجرائم حرب بعد الحرب العالمية الثانية.
تنصّ اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة والبروتوكول الإضافي الأول على حقّ المتهم في استجواب الشهود، وطلب شهود للاستجواب، ولا نعرف حتى اللحظة الآنية هل حصل ذلك أم لا بالنسبة لسعدون؟
ختاما، لا يجب أن تصير المحاكمات العَجِلة التي تجريها الدول لأسرى الحرب للحصول على منافع سياسية منهاجا، فمصالح الدول السياسية لا يجب أن تطغي على الحقوق الأساسية لأسير الحرب، ووصم أسرى الحرب من جانب الدولة الآسرة بالمجرمين أو الإرهابيين أو غيرها من وصوم تخرج عن نطاق اختصاصات الدولة الآسرة، ولا ينبغي أن يكون احتجاز أسرى الحرب عقوبة، ولكن يُسمح به كوسيلة لمنع المزيد من مشاركتهم في الأعمال العدائية، وبمجرد انتهاء النزاع المسلح يجب إطلاق سراحهم.