تبحث ورقة حول السلاح الغذائي صدرت عن المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، تحولات مهمة في علاقة “السلاح الغذائي” بالاستراتيجيات الدولية للقوى الكبرى من أجل بسط النفوذ وتكثيف الحضور الدولي وترجمة الأجندة التوسعية، لاسيما إزاء الدول النامية.
واعتبرت الورقة البحثية أنه لطالما كان الطعام سلاحا، خاصة زمن الحروب أو الصراعات السياسية، ويكون فعالا بشكل خاص في محاصرة بلد، أو حظر الإمدادات الغذائية عنه، وهنا تبرز أهمية العلاقات الدولية، وهذا ما يجعل الغذاء سلاحا اقتصاديا أو سياسيا أو حتى عسكريا، بما له من تأثير مباشر على الأمن الغذائي للسكان، واقتصاد الدول، وبالتالي على استقرارهم السياسي والأمني.
ووفق الورقة، يخضع الغذاء لقاعدة العرض والطلب، وتؤدي ندرته إلى زيادة سعره، حيث يمكن أن تكون لهذه الندرة عواقب سياسية كبيرة، خاصة إذا كان البلد المستورد لا يمتلك علاقات سياسية جيدة مع البلدان المصدرة.
وانتشر مصطلح “السلاح الغذائي” في خمسينات القرن الماضي كأداة يتم استعمالها من قبل الدول المنتجة عن طريق تجويع شعب ما، عبر رفض بيع أو حظر الحبوب عنه، بدل الحصار العسكري.
وعلى سبيل المثال، ترصد الورقة قضية الحظر النفطي في سبعينات القرن الماضي، كقضية مهمة في التاريخ العربي، حين قرر الرئيس الأميركي “جيمي كارتر” فرض حظر تصدير المواد الغذائية إلى الشرق الأوسط.
تاريخيا، وقع استعمال الغذاء كسلاح ضد العديد من الدول، خاصة العربية، مثل ما حدث في مصر سنة 1956، حينما جمدت الولايات المتحدة مساعداتها الاقتصادية للقاهرة، كما تم تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء في العراق من قبل الولايات المتحدة، وهو برنامج انطلق سنة 1996 وانتهى سنة 2001، وسمح بموجبه للعراق بتصدير جزء من نفطه ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الغذائية.
بينما في سوريا، عرقل الصراع الاقتصادي والسياسي استقرار تجارة الحبوب في البلاد سنة 2014، حيث تباطأ إنتاج القمح إلى أن توقف بسبب الحرب، لذلك تحتاج البلاد إلى الاستيراد بكميات كبيرة، حيث يُستخدم الجوع كسلاح حرب في جميع المدن السورية المحاصرة.
في ظل الصراع الروسي الأوكراني القائم حاليا، هل يُستخدم الغذاء كسلاح ضد الدول العربية؟
تقول الورقة إن روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم، وأوكرانيا تأتي في المرتبة الخامسة. كما صدرت روسيا في العام الماضي قرابة 39 مليون طن من القمح، وصدرت أوكرانيا ما يقارب 18 مليون طن.
وتعد روسيا أيضا أكبر منتج للأسمدة في العالم، حيث صدرت خلال 2020-2021 ما قيمته 7,6 مليارات دولار من الأسمدة، وكانت الوجهة الرئيسية لصادراتها هي البرازيل (قرابة 1,5 مليار دولار)، وإستونيا (555 مليون دولار)، والهند (540 مليون دولار)، والصين (531 مليون دولار)، والولايات المتحدة (442 مليون دولار).
وبالنسبة للورقة، فمن الممكن أن تواجه الدول العربية اليوم موجة جديدة للسلاح الغذائي، بسبب اعتمادها الكبير على روسيا وأوكرانيا كمصدرين أساسيين للحبوب، مما سيعيد الوضع إلى الفترة نفسها التي وقع فيها استعمال الغذاء كسلاح ووسيلة ضغط سياسي ودبلوماسي ضد الدول العربية.
هناك قلق كبير بشأن الأمن الغذائي في العالم والمنطقة العربية بصورة خاصة، بعد أن تجاوزت أسعار المواد الغذائية العالمية أعلى مستوياتها في شهري فبراير ومارس 2022، وهذا الارتفاع يكون له تأثير مباشر على ملايين الأسر في العالم، وخاصة أولئك الذين هم على مستوى الفقر وتضرروا من جائحة كورونا.
كما لا بد من الإشارة إلى مجموعة من الحقائق التي تتعلق بالأمن الغذائي في المنطقة، أبرزها محدودية الأراضي الزراعية، والجفاف، وأسعار الطاقة، وطرق ووسائل الإنتاج غير العصرية، والتغيرات الاجتماعية التي جعلت المهن الزراعية لا تلقى إقبالا كافيا من باحثي العمل، إضافة إلى نقص الخبرات واليد العاملة في مجال الزراعة، والاعتماد الكبير على الاستيراد من الخارج.
في الوقت الراهن، ومع استمرار الصراع الروسي الأوكراني، وتوقف سلاسل التوريد، وتعطيل الكثير من الموانئ، وحظر الكثير من الدول للاستيراد من روسيا، كل هذه الظروف مجتمعة تتيح الفرص للكثير من مصدري القمح للتأثير على الدول المستوردة، وخاصة العربية.
وتفتقر تجارب الدول العربية إلى المعايير المناسبة لتوفير الاكتفاء الذاتي، أو نسبة معقولة من الإنتاج، حتى الدول العربية المصدرة للنفط هي الأخرى في خطر، بسبب اعتمادها بشكل أساسي على صادرات النفط، وطالما أن الميزانية الحكومية مرتبطة بسعر النفط وتقلبات الأسعار، فهذا مؤشر غير إيجابي.
مواجهة النظام العالمي الجديد
يهدد الصراع الروسي الأوكراني بظهور نظام حكم عالمي جديد لن يعتمد على الوضع السياسي للدول فقط فيما يتعلق بالحرب، ولكن أيضا على قدرة مختلف الأنظمة على تحمل التبعات.
كذلك هناك حذر من انتشار اقتصاد الندرة، باعتبار أن الصادرات تتبع السياسات الخارجية، فيمكن أن يكون لدى الدول المال الكافي لشراء الحبوب، لكن لاعتبارات سياسية أو حمائية، لا تستطيع تلك الدول الوصول إلى تلبية احتياجاتها من الحبوب، وهذا ما يفسح المجال أمام روسيا والصين للتوغل أكثر في المنطقة العربية.
ويتسم هذا التوجه الجديد بتعزيز التكامل الإقليمي، حيث سيؤدي إلى مراجعة الاتفاقيات والتحالفات التجارية، وظهور اتجاهات جديدة تزيد من تقليص التكامل الاقتصادي العالمي، ولن يعتمد هذا النظام العالمي الجديد، على الوضع السياسي للدول فيما يتعلق بالحرب فقط، بل يعتمد أيضا على قدرة مختلف الأنظمة على تحمل تبعاتها.
السمة الأولى لهذا النظام، هي التعايش بين عالمين، (الروسي والغربي) في العلاقات الاقتصادية العالمية، لكل منهما آلياته الخاصة في المعاملات التجارية والمالية (العملة المرجعية، والنظام المصرفي، والمقايضة، وحرية التجارة، وحرية الاستثمار، والتكامل اللوجستي).
كما ستستغل الصين أهمية موقعها في أسواق المواد الخام، وقدرتها على الإنتاج الصناعي والربط بينها وبين طريق الحرير، لتعب دورا حاسما في هذا التعايش.
السمة الثانية هي صعود التيارات الشعوبية والقومية في عدة دول، وهذا من شأنه أن يحد من قدرة هذه البلدان على إجراء الإصلاحات في الوقت المناسب لضمان الخروج من الأزمة وقدرة أفضل على الصمود.
تعزيز السيادة الغذائية من خلال وضع آليات السوق بهدف تحسين الإنتاجية
تطوير اتفاقية التجارة الحرة العربية بين جميع دول المنطقة بهدف تسهيل وتطوير التجارة بين دول المنطقة، والتقليل من الحواجز الجمركية وغير الجمركية، من ضمنها الحواجز الإدارية والنقدية والمالية.
بعث منظمة تختص بشؤون التجارة العربية في السلع الزراعية والمنتجات الغذائية، مثل “جافتا”، وهي جمعية تجارة الحبوب والأعلاف، ومنظمة التجارة الدولية.
دفع الاستثمارات العربية في مجال الزراعة، باعتبار أن هناك الكثير من الدول العربية التي تمتلك عائدات نفطية للاستثمار في الدول التي تمتلك التربة والأرض الصالحة للزارعة لتقليل الاعتماد على الدول الأوروبية.
يجب أن يكون هناك تكامل عربي من ناحية التجارة في الفترة الحالية، ومعالجة المشاكل الإقليمية من ناحية الغذاء وتجاوز الخلافات بين الدول.
العمل على بناء تحالف عربي قوي مع تنوع المواد الزراعية في كل بلد، مما سيساعد على ضمان السلامة الغذائية مثلما يحدث في الاتحاد الأوربي حيث الدول تتكاتف من أجل الصمود في ظل الأزمة.
من المهم أيضا دعم التباين التجاري في المواد الغذائية بين الدول العربية، والعمل على بناء نظام قوي يرعى مصالح جميع البلدان ويحمي أمنها واقتصادها.