جاء انخراط المملكة المغربية في “مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المفتوحة” عام 2018، بعد سبع سنوات على اعتماد الدستور الجديد والإعلان عن هذه المبادرة خلال الجلسة الافتتاحية السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر شتنبر 2011 من طرف ثماني دول. لكن، اليوم تُطرح تساؤلات عديدة تهمّ سياقها، أهدافها المحققة وحصيلتها إلى حدود الآن، أي بعد قرابة خمس سنوات على اعتمادها.
وخلصت ورقة بحثية للسياسات أنجزها عبد اللطيف الشنتوف، أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط وسلا رئيس نادي قضاة المغرب، صدرت حديثا عن “المعهد المغربي لتحليل السياسات” (MIPA)، إلى أنه “بعد خمس سنوات من تبني فكرة الحكومة المفتوحة، لا تزال هناك العديد من الأهداف المسطرة لم تتحقق، لاسيما تلك المرتبطة بمجال الشفافية والنزاهة والوجود الواقعي الملموس لفكرة الحكومة المفتوحة في التنظير والممارسة بالإدارة المغربية”، بسبب ما عزاه الباحث المشارك في المعهد المذكور إلى “غياب الإطار القانوني الواضح المهيكِل لعملها”.
وتناولت هذه الورقة، التي اطلعت هسبريس على نسخة منها، موضوع “تجربة الحكومة المفتوحة بالمغرب” من خلال التعريف بهذه التجربة والحديث عن سياق نزولها وأهدافها والحصيلة التي أنجزتها خلال سنوات تفعيلها، قبل أن ترصد ملاحظات ربطها الباحث بتقديم بعض الاقتراحات والتوصيات.
سياق “الحكومة المفتوحة”
إذا كانت هذه المبادرة مرتكزة على 4 محاور أساسية، هي: “شفافية الميزانية والولوج للمعلومة، ونشر وتصريح بممتلكات المنتخبين والمسؤولين العموميين، ومشاركة المواطنين في العمل الحكومي، وضرورة إعداد المشروع الحكومي المتعلق بالحكومة المفتوحة”، فإن المغرب، بحسب مضامين الورقة، اشتغل منذ انضمامه إلى هذه المبادرة على تحقيق هذه الأهداف من خلال خطط عمل وطنية محددة المدة (الأولى 2018-2020، والثانية 2021-2023).
ووقف الشنتوف، ضمن تحليله، على معطى واقعي يتمثل في كون “الجهة الإدارية التي تسيّر ورش الحكومة المفتوحة هي وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، ما يطرح دائما مشكل الاستقلالية المؤسساتية لعمل مبادرة الحكومة المفتوحة”، وأثار مسألة “طريقة اختيار ممثلي المجتمع المدني في لجنة القيادة” التي اعتبرها “تحتاج إعادة نظر في التركيبة لتكون أكثر تمثيلية لمختلف الفئات والجهات في المغرب، فضلا عن منهجية الاشتغال وتجانسه وعدم كفاية التعبئة لفكرة الحكومة المفتوحة والتعريف بها لدى الرأي العام بشكل أكبر بسبب قلة أو انعدام الموارد المخصَّصة لها”.
وعاد الباحث إلى الجذور المرجعية والسياقات القانونية التي أنتج مخاضها انضمام المغرب إلى “مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة”، ليصبح رسميا بتاريخ 26 أبريل 2018 العضو الـ76؛ إذ “بدأت فكرة الحكومة المفتوحة تتبلور منذ المصادقة على دستور 2011 الذي تضمنت فصوله عدة مبادئ عامة تتقاطع مع مجال اشتغال مبادرة الحكومة المفتوحة، أبرزُها فصل السلط وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، والحكامة الجيدة، فضلا عن ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
أما على مستوى النصوص القانونية، فقد كان أهمها القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، وكذا القانون المتعلق بتقديم الملتمسات في مجال التشريع وتقديم العرائض للسلطات العمومية، فضلا عن تفعيل المقاربة التشاركية في مجالس الجهات.
“ملاحظات” على الحصيلة
سجلت الورقة أن ورش الحكومة المنفتحة بالمغرب رام “تجسيد مبادئ الشفافية والنزاهة والمشاركة”، عاملا على إنجاز مخطط وطني أول من 2018 إلى 2020، ثم مخطط ثان يهم الفترة من 2021 إلى 2023 لتجسيد المبادئ الثلاثة في السياسات العمومية للإدارة المغربية.
وقد ركزت خطة العمل الوطنية الثانية على “محاور الشفافية وجودة الخدمات العمومية والمساواة والشمولية والعدالة المنفتحة والمشاركة المواطنة والجماعات الترابية المنفتحة”، وهو ما حاول الباحث تقييم درجة إنجازه أو مدى تفعيله من خلال جداول لنِسَب الإنجاز والالتزام.
ولاحظ الشنتوف بخصوص الالتزام المتعلق بإحداث “البوابة الوطنية للنزاهة” الوارد في المحور الثاني الخاص بالنزاهة ومحاربة الفساد، أنه “لم يتم إنجازه لحدود إعداد هذه الدراسة”، وهذا يدعو إلى تسجيل ملاحظة أنه “يتعيّن توضيح كيفية الوصول إلى النسب المئوية المتعلقة بإنجاز الالتزامات المنشورة في بوابة الحكومة المفتوحة عن طريق ربطها بما تم إنجازه من التزامات حتى يسهل على المتصفح أو الدارس معرفة ما تم إنجازه تحديدا”.
تجربة “تتطلّب تحسينات”
وبناء على الملاحظات التي سجلها الباحث في ورقته والنواقص التي تم الوقوف عليها من خلال تحليله، اقترح مجموعة من التوصيات، تتمثل أهمّها في الدعوة إلى “تمثيلية جهوية للحكومة المفتوحة من خلال توسيع تمثيلية المجتمع المدني عن طريق خلق هيئة المجلس الوطني الموسع لجمعيات المجتمع المدني بتمثيلية جهوية إلزامية (على شاكلة البرلمان)”، داعياً إلى “التعريف بها وبأهدافها أكثر”؛ إذ تظل مجهولة في الأوساط المهنية والأكاديمية، فضلا عن الرأي العام، ما يقتضي “القيام بخطوات تواصلية كبيرة للتعريف بها في فضاء الجامعات وكل الفضاءات المرتبطة بالمعرفة والثقافة والإعلام”.
كما لفتت الورقة انتباه صانعي السياسات إلى “تقوية أسس العمل وتجانسه بين أعضاء الحكومة المفتوحة، ولا سيما لجنة الإشراف، مع الاشتغال بطريقة اللجان الموضوعاتية”، موصية بـ”الاشتغال على البرامج ذات الأثر في الواقع الملموس لدى المرتفقين”.
وأثارت الورقة ضرورة إيجاد “آلية لإشراك المؤسسات الدستورية المرتبطة بالحكامة والنوظمة وباقي المؤسسات الوطنية في برامج واستراتيجية الحكومة المفتوحة، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس المنافسة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ورئاسة النيابة العامة”.