تلعب الجالية المغربية بالخارج دورا مهما في إنعاش الاقتصاد المغربي، سواء عبر جلب العملة الصعبة أو القيام بالعديد من المشاريع الاستثمارية التي تهم قطاعات عديدة؛ على رأسها قطاع العقار، الذي يجذب مغاربة العالم الراغبين في مباشرة استثمارات ببلدهم الأصلي.
تحويلات مغاربة الخارج وصلت إلى مستويات قياسية، حسب محمد جدري، المحلل الاقتصادي، حيث بلغت 93 مليار درهم سنة 2021، مسجلا توجه هذه التحويلات بنسبة 65 في المائة نحو التضامن العائلي و15 في المائة نحو الادخار و10 في المائة فقط تذهب نحو الاستثمار. والأكثر من ذلك هو أن أغلب هذه الاستثمارات تتوجه نحو العقار.
ويرجع سبب هذا الضعف، حسب المتحدث ذاته، إلى تعقيد المساطر الإدارية وصعوبة الولوج نحو قطاعات استثمارية يغلب عليها طابع الريع فضلا عن فشل صندوق دعم استثمار مغاربة العالم، حيث إنه طيلة عشر سنوات من إنشائه كانت هناك صعوبات جمة للولوج إليه، بالإضافة إلى ضعف التواصل حوله.
وأوضح الباحث أن هناك فرصا مهمة يمكن اغتنامها عن طريق استثمارات مغاربة العالم، حيث إنه يمكن ربح على الأقل بين 25 و30 مليار درهم كل سنة في استثمارات ذات قيمة مضافة، مشددا على أن الحكومة مطالبة بتسريع تبسيط الإجراءات الإدارية ورقمنة الإدارة وتسريع إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وإعادة النظر في طريقة الحصول على منح صندوق دعم استثمار مغاربة العالم، بالإضافة إلى محاربة القطاع غير المهيكل والحد من الريع، والإصلاح الضريبي.
إدريس السنتيسي، البرلماني عن الفريق الحركي، قال إن النموذج التنموي دعا إلى تقوية مساهمة المغاربة المقيمين بالخارج، مشددا على ضرورة أجرأة البرنامج الوطني لتعبئة الكفاءات عبر رفع نسبة الاستثمار من طرف مغاربة العالم بمختلف الأقاليم المغربية، من أجل جعل المستثمرين المغاربة بالخارج فاعلين أساسيين في التموقع الاقتصادي الجديد للبلاد وتكريس دورهم في الإنعاش الاقتصادي بالمملكة وتقوية مساهمتهم في الدبلوماسية الاقتصادية بالخارج.
وطالب السنتيسي الحكومة بالكشف عن الإجراءات والتدابير الحكومية لتشجيع ومواكبة إدماج المغاربة المقيمين بالخارج في الاقتصاد الوطني، وعن الفرص الاستثمارية التي توفرها للجالية المغربية.
من جانبه، أكد محسن الجزولي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والاتقائية وتقييم السياسات العمومية، أن الملك محمدا السادس خص الجالية المغربية بعنايته، وانسجاما مع أحكام الدستور، الذي يضمن للمغاربة المقيمين بالخارج مشاركة موسعة في بناء مغرب الغد، فإن الحكومة تضع الجالية المغربية المقيمة بالخارج في صلب اهتماماتها، من خلال الحرص على دعم اندماجها في المؤسسات الوطنية والحفاظ على علاقتها ببلدها الأصلي.
وأضاف الجزولي ضمن جواب حول الموضوع توصلت به هسبريس: “المغاربة المقيمون بالخارج يعدون من أهم مكونات المجتمع والهوية المغربية. ولعل خير دليل على اعتزازهم بوطنهم وتضامنهم مع بلادهم هو حجم التحويلات المالية التي تقوم به جاليتنا المغربية، والتي تشكل مساهمة جد مهمة في المسيرة التنموية للمغرب، حيث بلغت ما يقارب 23 مليار درهم خلال الفصل الأول من سنة 2022، مسجلة ارتفاعا بحوالي 8,3 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الفارطة؛ وهو ما يعد مصدرا مهما للعملة الصعبة للبلاد”.
واستدرك الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والاتقائية وتقييم السياسات العمومية موضحا أنه بالرغم من أهمية حجم هذه التحويلات، فإن أقل من 10 في المائة منها فقط يستثمر في المملكة، من بينها 2 في المائة تستثمر في المجالات المنتجة و8 في المائة تستثمر فقط في العقار, وهي نسبة ضعيفة جدا؛ بالنظر إلى المؤهلات الكبيرة للمغرب وكفاءات الجالية.
وفي هذا السياق، أكد الجزولي أن الحكومة تشتغل وفق إستراتيجية واضحة لتحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار الذي يقع في قلب الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي للمملكة، وهي إستراتيجية لا تستثني المغاربة المقيمين بالخارج.
وزاد المسؤول الحكومي: “نسعى في الحكومة إلى الاستثمار والاستفادة من الكفاءات التي تتوفر عليها جاليتنا بالخارج، من خلال منحها اهتماما خاصا في إطار الجهود المبذولة لجلب المزيد من الاستثمارات الخاصة، حيث تم تخصيص برامج خاصة بدعم وتمويل مشاريع الجالية المغربية؛ من ذلك على سبيل المثال صندوق “MDM” للاستثمار، التابع لمؤسسة “تمويلكم” الذي يقدم عروضا محفزة لجذب استثمارات جاليتنا المغربية المقيمة بالخارج، ويصل الدعم الذي تقدمه هذه المؤسسة إلى ما يناهز 10 في المائة”.
وتابع الجزولي “الأشخاص الذاتيون أو الاعتباريون الأجانب، سواء كانوا مقيمين بالمغرب أو غير مقيمين، والأشخاص الذاتيون المغاربة المقيمون بالخارج، الذين ينجزون في المغرب استثمارات ممولة بعملات أجنبية، برسم هذه الاستثمارات، يستفيدون من نظام للتحويل يضمن لهم الحرية الكاملة فيما يهم تحويل الأرباح الصافية دون تحديد للمبلغ أو المدة، وتحويل حصيلة تفويت الاستثمار أو تصفيته، كلا أو بعضا، بما في ذلك فائض القيمة”، مؤكدا أن “حماية حقوق الملكية الفكرية للمستثمرين مكفولة طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل”.