“في بداية مساري الدراسي، لم يكن ولوج قاعات التعليم بالأمر السهل. كان محيطي، لاسيما مديرية التعليم والمدرسة، يخشى استقبال طفل ذي إعاقة حركية داخل المدرسة”؛ هكذا استهل التلميذ يوسف شريف حاميدي، المنحدر والقاطن بحي الواحة في مدينة الرشيدية، حديثه عن تجربته لتحدي الظروف المحيطة به والمعيقة لطموحاته، قبل أن يُتوِّج مشواره بالحصول على شهادة الباكالوريا في دورة يونيو 2022 بميزة “حسن” ومعدل عام 15.76 في شعبة العلوم الرياضية-خيار فرنسية.
ويبدو أن هذا الشاب الطموح البالغ من العمر 19 سنة، الذي يستعد للانتقال إلى جامعة مراكش لدراسة علم النفس، لم تمنعه إعاقته الحركية “إثر نقص في الأوكسجين أثناء الولادة تأثرت بها الباحة الحركية في الدماغ”، ولا المعيقات الموضوعية التي واجهها، من تحقيق ما صبا إليه وهو طفل، موضحاً في حديث مع هسبريس أنه “كان في بادئ الأمر منتميا لـ”جمعية الواحة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة” التي أسّسها أبوه؛ إذ درس بها برنامج السنة الأولى الابتدائية كاملا، قبل أن يشكل الالتحاق بالمدرسة العادية تحديا كبيرا لوالديْه، “نظراً للرفض المتوالي من طرف نيابة التعليم ومسؤولي المدرسة”.
وتابع حاميدي حديثه مستدركاً بأنه “في آخر المطاف وبفضل الله، قَبِلوا تسجيلي بالمدرسة رغم أنني كنت مضطرا لإعادة السنة الأولى، وقد تبيّن لي من بعد حين أن هذا العام المهدَر كانت وراءه حكمة إلهية بليغة؛ فلولاه لما التقيتُ بأغلب أصدقائي وأحبابي الذين أمتن لهم كثيرا، بعد الله تعالى، لِما أنا عليه وحققته اليوم”، مضيفا أن السنوات مرت قبل اجتيازه مراحل كثيرة التقى فيها أشخاصا تعجّب واندهش من رعايتهم وصداقتهم، “وآخرين في بعض الأحيان كانوا ابتلاء واختبارا للصبر والمثابرة”.
وأضاف التلميذ الحاصل على المرتبة الأولى جهويا سنة 2020 في “القصة القصيرة باللغة الفرنسية”، ضمن مسابقة نظمتها وزارة التربية الوطنية، أنه يبذل جهده لتعلّم البرمجة، مؤكدا في نبرة طموح وشغف يلمع في عيْنيه أنه يفكر في ولوج “مدرسة 1337” ببنجرير السنة القادمة.
وأورد التلميذ ذاته أن السنة الثانية بكالوريا “كانت حقا أصعب سنة” واجهها في مساره الدراسي، خصوصا من حيث المواد العلمية ذات الرموز المتنوعة التي يتعذر فيها الكتابة بلوحة إلكترونية ولو بتطبيقات مخصصة نظرا لاستهلاكها الكبير للوقت”، وهو ما حتّم عليه انتظار والده أو صديقه أو أستاذه لمساعدته في تحرير التمارين، حيث كان يقوم بإملاء ما يريد كتابته، مشيراً إلى معاناته التي تمثلت في ضرورة الاستعانة بتلميذ ذي مستوى أدنى في الفروض قد يتعذر عليه فهم النطق أو حتى ما يريد كتابته من رموز غريبة عليه، معبرا عن ذلك بالقول: “كنت مفتقرا حقا للاستقلالية”.
أما في المواد الأدبية، شرح حاميدي أنه كان يستطيع أن يشتغل بنفسه باللوحة الإلكترونية، قائلا: “في الفروض مثلا كنت أحرر الأجوبة وأرسلها للأستاذ بكل سهولة. لكن بالنسبة للامتحان الوطني والحمد لله كان يرافقني إنسان جد موهوب ومتفانٍ بذل كل جهده لئلا تكون أي صعوبة على مستوى عبور المعلومة مني إليه”.
ولفت التلميذ الموهوب في الكتابة باللغة الفرنسية إلى أنه “أنهى تحرير رواية أولى لم تصل بعد لنضجها النهائي مع بحثه عن ناشر لها”، قبل أن يؤكد أن كل هذه المجهودات المتضافرة مكّنته من الحصول على شهادة البكالوريا بميزة حسن، “ولوْ أنني متحفظ كثيرا في إعطاء قيمة لنقطة أو ميزة في حد ذاتها بقدر ما أقيس نجاحي بالعلاقات الطيبة والذكريات الجميلة التي كسبتها والصعوبات التي تجاوزتها داخل المحيط المدرسي، كل ذلك بفضل الله”، على حد تعبيره.
وعن طموحه بعد البكالوريا، فإن أحلام يوسف لا حدود لها كما كانت منذ طفولته؛ إذ يطمح أن يصير “كاتبا متخصصا في علم النفس” كما صرّح في حديثه مع هسبريس، فضلا عن شغفه بكتابة القصص والروايات بالفرنسية، خاتما بالقول: “أريد أن أدرس علم النفس وأكتب كتبا باللغة الفرنسية تُوفق بين علم النفس الإيجابي في علاقة وطيدة بما يحمله الدين الإسلامي من حكم ومعلومات ووصايا تهدئ النفس والروح وتجعل المرء يحيا حياة طيبة مليئة بالطمأنينة وتحقيق الذات”، راجيا أن يمثل ذلك “دوره الأساسي في إعمار الأرض وتحسين حياة البشر، خصوصا أنني سأتمكن بقوة الله أن أوصل هذه المعلومات إلى عالم فرانكفوني قد لا يكون مُلمّاً بها”.