تحتفل الجزائر بالذكرى 60 لاستقلالها على إيقاع الحراك الشعبي والأزمات المتعددة مع الجيران؛ فعلى الرغم من امتلاكها قدرات طبيعية وموارد اقتصادية تتيح لها أن تكون دولة قوية وسط اتحاد مغاربي قوي، إلا أنها اختارت طيلة السنوات الماضية توجيه مواردها واستغلال ثرواتها في قضايا خاسرة، منها أساسا عقيدة العداء للمغرب ولوحدته الترابية.
محمد الشيخ بيد الله، سياسي مغربي أحد مؤسسي النواة الأولى للطلبة الصحراويين لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، أبرز أن الجزائر منذ الاستقلال كانت طريقتها ونظرتها للتنمية مختلفة، حيث اختارت طريق الصناعة المصنعة كرافعة للتنمية، في الوقت الذي اختار فيه المغرب الأمن الغذائي والفلاحة والتحكم في الموارد المائية، ومن ذلك برامج السقي ومخططات التحكم في المياه وبرامج السدود التي دشنها الملك الراحل الحسن الثاني.
وقال بيد الله في تصريح لهسبريس: “في الوقت الراهن، اختار المغرب بفضل السياسة الحكيمة للملك محمد السادس سياسة الطاقات المتجددة، والأمن الغذائي، أما نظام العسكر فقد اختار الجري وراء السراب، ودعم القوات الانفصالية”، مضيفا أن “أكثر ما بذّر فيه هذا النظام أموال الدولة، هو الدعم اللامشروط المادي المقدر بمليارات الدولارات، وكذلك المعنوي، لمساعدة صنيعته جبهة البوليساريو بهدف معاكسة المغرب في وحدته الترابية، وهذه شهادة جزائريين موجودين في فرنسا وبلجيكا”.
وسجل السياسي المغربي أن الجزائر رغم الوسائل والثروات التي تزخر بها، إلا أن شبابها يموت في البحر الأبيض المتوسط متوجها إلى أوروبا، كما أنها تعاني من ضعف على مستوى الأمن الغذائي حيث مازالت تستورد بعض الخضر والمواد الغذائية العادية، علما أنها تتوفر على الموارد المائية نفسها التي تتوفر عليها المملكة وعلى التربة ذاتها.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن ما يفرضه الحزب الوحيد من ضغط مستمر، أدى إلى حراك شعبي ضيع سنوات من التنمية على الجزائر، عكس المغرب الذي منع الحزب الوحيد وفتح أبواب الديمقراطية والمشاورات.
من جهة أخرى، ضيعت الجزائر على دول المنطقة فرصة تشكيل اتحاد مغاربي وتكامل المغرب الكبير، وهو ما ضيع بدوره فرصة تكامل اقتصادي مهم جدا، يورد بيد الله، مضيفا أن “الثروة التي تتوفر عليها بلدان المنطقة على مستوى الفوسفاط والغاز يمكن أن تحقق تكاملا وقوة اقتصادية من شأنها التحكم في الأمن العالمي لإنتاج الأسمدة التي تستغل في الفلاحة، لكن الجار مْشا من الخيمة مايْلْ بمعاكسة المغرب”.
وتابع بيد الله قائلا: “كل الدول بالمنطقة أدت ثمن هذا العناد حيث يضيع تقريبا 2 بالمئة من الدخل الإجمالي الخام للبلدين، فأرجو أن يتحكم العقل فيما تبقى من الزمن وتعود الجزائر إلى رشدها، وأن تتفق مع المغرب من أجل استكمال وحدته الترابية، وتخول للمسجونين في تندوف العودة إلى بلادهم آمنين ليشاركوا في تنميتها، والتمكن من بناء المغرب الكبير”.
من جانبه، قال بشير الدخيل، أحد مؤسسي جبهة البوليساريو، إن “الشعب الجزائري بذل مجهودا لمحاربة الاستعمار الفرنسي لكن عقلية الحزب الواحد ضيعته، حيث بنى السياسة على منظور إيديولوجي، وهو ما أعطى النتيجة التي تعيشها الدول المغاربية على الرغم من إمكانياتها الكبيرة وقواسمها المشتركة”.
وأضاف الدخيل، في تصريح لهسبريس، أن “الحكام الذين يحافظون على نفس العقلية العسكرية المبنية على العدوانية كرسوا معاناة شعوب المنطقة”، معتبرا أن “دولة لها قدرات طبيعية وشعب شاب وإمكانيات وأراض شاسعة، كان بإمكانها أن تكون دولة قوية جدا، علما أن المنطقة الوحيدة في العالم اليوم الأقرب لأن تكون متماسكة هي المغرب العربي، إلا أنها الوحيدة التي لم تستطع أن تبني منظمة ناجحة بانسجام بين هذه الدول”.
وشدد المتحدث على أنه لا يمكن لدولة أن تبني تنميتها على العدوانية للجار، مشيرا إلى أهمية بروز قوة فعلية جزائرية شبابية من أجل التغيير، وأهمية العمل والتنسيق في إطار تكتلات، مشددا على أن “الأحداث التي برزت مؤخرا وصراع الجارة الشرقية مع المغرب وإسبانيا، مؤشر على ضرورة تجديد النخبة الحاكمة التي تضم أشخاصا شاركوا في الحرب الأهلية ومازالوا يسيرون الدولة بعد 60 سنة”.
وأورد الدخيل أن الجزائر إذا استمرت بهذه الطريقة ستجهز على مواردها وعلى ثروات الغاز، موضحا أن نظريات الاقتصاد تؤكد أنه لا بد من التعدد الإنتاجي وحسن ترشيد وتوجيه استغلال الموارد لضمان استقرارها والتصدي للأزمات.