يرى الصادق العثماني، باحث في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف الديني، أن الصراع على كرسي الحكم بالقصر الجمهوري في البرازيل ينحصر بين الرئيس الحالي جايير بولسونارو، الذي يمثل اليمين المحافظ، والرئيس السابق، زعيم حزب العمال، لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي يعتبر المرشح الأوفر حظا للوصول إلى منصب الرئيس، حسب الإحصائيات الأخيرة التي أجريت من قبل معهد “داتا فوليا” البرازيلي.
وأوضح العثماني، في مقال توصلت به هسبريس، أن هذه الإحصائيات يمكن أن تتغير بين ليلة وضحاها لصالح الرئيس الحالي الذي بدأ تغيير إستراتيجية خطابه، وتبني خطاب ديني عاطفي مسيحي، مستحضرا نجاحه في الانتخابات السابقة بفضل أصوات الكنيسة الإنجيلية.
هذا نص المقال:
صراع خطير بين اليساري (لولا) واليميني المحافظ (بولسونارو) على كرسي الحكم بالقصر الجمهوري في البرازيل.
وتعرف البرازيل هذه الأيام انتخابات رئاسية ستجرى يوم 2 أكتوبر المقبل، مع احتدام الصراع بين الرئيس الحالي جايير بولسونارو، الذي يمثل اليمين المحافظ، والرئيس السابق زعيم حزب العمال، لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي يعتبر المرشح الأوفر حظا للوصول إلى منصب الرئيس حسب الإحصائيات الأخيرة التي أجريت يوم أمس من قبل معهد “داتا فوليا” البرازيلي، مع نية تصويت تبلغ 45 % مقارنة بـ 36% للرئيس الحالي بولسونارو.
لكن وحسب بعض الخبراء فإن هذا الفرق بين لولا وبولسونارو يمكن أن يتغير بين عشية وضحاها لصالح الرئيس الحالي، الذي بدأ يغير إستراتيجية خطابه الانتخابي، متجها شطر الخطاب الديني العاطفي المسيحي؛ مع العلم أن نجاحه في الانتخابات الرئاسية السابقة كان بسبب أصوات الكنيسة الإنجيلية، وبعد نجاحه بفضلها وقع تصدع وانفصال بينه وبينها؛ وكانت قد أعلنت عدم مساندته في الانتخابات القادمة، بعد أن كانت السبب في إيصاله إلى رئاسة الدولة البرازيلية سنة 2018.
وفي هذا السياق لا بد من التعريف بشخصين مهمين وفاعلين أساسيين في الحقل الديني الإنجيلي في البرازيل، وإليهما تعود الكلمة الأولى والأخيرة في تحديد من سيكون الرئيس الجديد للبرازيل، وهما:
1-إيدير ماسيدو Edir Macedo
——————————
من مواليد 18 فبراير 1945، أسقف إنجيلي برازيلي وكاتب ورجل أعمال وملياردير، وهو أيضًا مؤسس وأسقف الكنيسة العالمية لملكوت الله الخمسينية (كنيسة إنجيلية)؛ وهو المالك ورئيس قناة “ريكورد تي في”، أكبر شبكة تلفزيونية في البرازيل منذ عام 1989، مع مجموعة التسجيل التي أسسها بعد أن اشترى الشبكة، وهو من بين أغنى الزعماء الدينيين في العالم.
نشأ ماسيدو كاثوليكيا، واعتنق المسيحية الإنجيلية في أوائل السبعينيات؛ وعام 1977 أسس طائفته الخاصة في ريو دي جانيرو، التي تتبع “لاهوت الازدهار”، مؤكدًا أن الإيمان والالتزام بالكنيسة يكافآن بالثروة.
وينبع الجزء الأكبر من ثروة ماسيدو من ملكيته لشركة “ريدي ريكورد”، ثاني أكبر محطة إذاعية في البرازيل، التي حصل عليها عام 1990 من الفنان سيلفيو سانتوس؛ ومن غير الواضح كيف حصل على التمويل اللازم لشرائها: قامت الوزارة العامة بالبرازيل بالتحقيق في السؤال لأكثر من عشر سنوات، بينما زعمت بعض التقارير أنه استخدم أموال الكنيسة. وفي يوليو من عام 2013، أصبح ماسيدو أيضًا مصرفيًا بعد استحواذه على حصة 49 ٪ في بنك بانكو رينر المملوك للقطاع الخاص، والذي يحتل مكانة بين أعلى معدلات الفائدة في البرازيل. وأثارت الصفقة الجدل جزئياً لأن البنك المركزي البرازيلي تعامل مع ماسيدو كمستثمر أجنبي منذ أن كان مقيمًا في الولايات المتحدة…
وتمتد إمبراطورية الأسقف الإعلامية أيضًا إلى شركة W67CI التابعة لشركة تيليموندو في أتلانتا.
وعام 2014، افتتح رجل الأعمال ذاته نسخة طبق الأصل ضخمة من معبد سليمان في ساو باولو، تستوعب 10000 من أتباع الكنيسة الإنجيلية، وهي ضعف كنيسة المسيح المخلص الشهير، الواقعة في ريو دي جانيرو. وكلفت الكنيسة الضخمة مبلغ 200 مليون دولار لبنائها، وتعمل بمثابة المقر العالمي للكنيسة الإنجيلية.
وكان رجل الدين المسيحي “ماسيدو” من الداعمين لبولسونارو في انتخابات 2018، أما الآن في الانتخابات القادمة فلن يدعمه للأسباب الذي سنتحدث عنها في هذا التقرير.
2-سيلاس ملفافية =،Silas Malafaia
————————–
من مواليد 14 سبتمبر 1958 بمدينة ريو دي جانيرو، بالبرازيل، رجل دين وقسيس برازيلي ومؤلف وناشط تلفزيوني، وحاصل أيضًا على شهادة في علم النفس؛ وهو زعيم جمعية الكنيسة الخمسينية لنصر الله في المسيح، وهي فرع من حركة جمعيات الله الأوسع للكنائس الخمسينية في البرازيل، وأيضًا الرئيس التنفيذي لشركة النشر Central Gospel Music [pt]، ونائب رئيس المجلس الدولي للوزراء الإنجيليين في البرازيل (CIMEB)، الذي يتكون من حوالي 8500 وزير وزعيم من جميع الطوائف الإنجيلية البرازيلية.. معروف بعمله السياسي ومعارضته الشديدة للترويج للمثلية الجنسية في المجتمع، ومعارض كذلك لقانون الإجهاض… في انتخابات عام 2012، كان القائد السياسي الإنجيلي للمرشح خوسيه سيرا لمجلس مدينة ساو باولو، وساعد في انتخاب 24 رئيس بلدية و16 عضوًا في مجلس المدينة في سبع ولايات.
وفي انتخابات عام 2014، قام Malafaia بحملة انتخابية لصالح أئسيو نيفس Aécio Neves من أجل رئاسة البرازيل؛ وفي انتخابات 2018، أيد الفائز النهائي جايير بولسونارو.. ووفقًا لإصدار مجلة فوربس لعام 2013، يقدر إجمالي ثروته الصافية بـ 150 مليون دولار أمريكي.
ويُنظر إلى Malafia على أنه محافظ ومتطرف ديني يزرع الكراهية بين الشعب البرازيلي الواحد، وهذا طبعا ما نفاه “مالافيا” في كثير من حواراته.
ويمكننا أن نحدد 4 أسباب أدت بالكنيسة الإنجيلية إلى انفصالها عن بوسونارو وعدم مساندته في هذه الانتخابات اليوم.
————————
1) كان بولسونارو قد وعد الكنيسة الإنجيلية في مرحلته الانتخابية سنة 2018 بأنه في حالة نجاحه في الانتخابات لرئاسة الجمهورية البرازيلية سينقل سفارة البرازيل من تل أبيب إلى القدس، مثل ما فعل ترامب، لكن هذا الوعد الذي قطعه بولسونارو على نفسه لم يتم تحقيقه، نظرا للضغوط الذي تعرض لها من قبل الجالية العربية والإسلامية، وكذلك الشركات البرازيلية الكبرى التي تصدر منتجاتها الغذائية إلى دول الخليج والعالم الإسلامي، ما دفعه إلى التراجع عن هذا الوعد.
2)، رجل الدين الشهير والمالك لقناة تلفزيون ريكورد، والذي يشرف على الآلاف من الكنائس الإنجيلية في البرازيل وبعض الدول الإفريقية، كان قد عانى من بعض المشاكل مع الحكومة الأنغولية في ما يتعلق ببعض كنائسه هناك، ما دفع بالقضاء الأنغولي إلى إصدار الحكم ضده وسحب جميع الكنائس التابعة له وتقديمها للمسيحيين الإنجيليين هناك، يتصرفون فيها كيفما شاؤوا؛ هنا حاول الرئيس البرازيلي صديقه التدخل لدى الدولة الأنغولية من أجل استرداد كنائسه، لكن بولسونارو فشل في الأمر.
3) عندما انتشر فيروس كورونا في البرازيل، وتم إغلاق الكنائس والمعابد والمساجد في البرازيل، اجتمعت الكنائس الإنجيلية وقررت عدم الامتثال لأمر الإغلاق، والتجأت إلى صديقها الرئيس ليقف معها حتى تظل مفتوحة، فحاول بكل سلطاته لكن القرارات كانت حاسمة من المجلس الأعلى للقضاء في إغلاق جميع الأماكن التي توجد فيها تجمعات بشرية، ومنها دور العبادة بدون استثناء؛ ففشل بولسونارو في هذا الأمر مع الكنائس الإنجيلية التي وعدها بأنه سيساندها في جميع مصالحها وشؤونها.
4) كان قد وعد اللوبي الإنجيلي في البرازيل بأنه سيحارب الانحلال الخلقي من دعارة وفساد وإجهاض وشذوذ جنسي، وغيرها من مظاهر الانحلال الخلقي التي تعتبرها الكنيسة الإنجيلية أمورا تغضب الرب، فينزل اللعنات على المجتمع؛ وتنبغي محاربتها وتنظيف المجتمع منها. وهذه الأمور كلها كذلك عجز بولسونارو عن محاربتها، بل اعتبر من بين المنغمسين فيها، ولهذه الأسباب، ولعدم تحقيق وعوده التي قدمها في الانتخابات، قررت الكنيسة سحب الثقة منه وألا تعطيه أصواتها في الانتخابات القادمة، حسب ما كانت قد صرحت به في بداية الانتخابات.
لكن وحسب بعض المحللين والخبراء فإن بولسونارو غير من إستراتيجية خطابه فجعله خطابا دينيا مسيحيا عاطفيا، يحارب من خلاله الإلحاد والشذوذ الجنسي والإجهاض، كما يحث في حملته الانتخابية على الزواج الشرعي وتربية الشعب على الفضيلة والأخلاق الحسنة، ويعتبر أحزاب اليسار، ومنها حزب لولا، مجموعة من الملحدين والمنحرفين الذين يجب مسحهم من خريطة أمريكا اللاتينية.
هذا الصراع الخطير الذي احتد هذا الأسبوع بين اليساري لولا واليميني المحافظ بولسونارو، سيتم حسمه من قبل الكنيسة الإنجيلية في البرازيل؛ لأن مفتاح النجاح بيدها. ولهذا السبب قام بولسونارو بتغيير خطابه نحو بابها، لعله يظفر بالنجاح مرة ثانية ويتربع على كرسي الحكم في القصر الجمهوري بمدينة برازيليا.