في الوقت الذي يعاني فيه المغرب من إجهاد مائي غير مسبوق، دفع بالحكومة إلى إعلان “حالة طوارئ” اتُّخذت فيها مجموعة من الإجراءات الرامية إلى عقلنة استعمال الماء، تضيع كميات هائلة من المياه العادمة التي بإمكان المملكة أن تستغلها، بعد معالجتها، في توفير مياه سقي الأراضي الفلاحية والمساحات الخضراء.
ويرتفع حجم المياه العادمة في المغرب بوتيرة سريعة؛ فبينما لم يكن يتعدى 48 مليون متر مكعب عام 1960، انتقل إلى 900 مليون متر مكعب عام 2020، ويُتوقع أن يصل حجمها إلى مليار و70 مليون متر مكعب في عام 2030، حسب معطيات تضمنتها ورقة بحثية أعدها يوسف بروزين، أستاذ باحث في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة.
وبالرغم من أن حجم المياه يُتوقع أن يزيد على مليار متر مكعب في عام 2030، فإن نسبة معالجتها لن تتعدى 32 في المائة فقط، في أفق 2030.
واعتبر بروزين أن استعمال المياه العادمة في المغرب بعد معالجتها لا يزال ضعيفا جدا، مشيرا إلى أن مدينة الدار البيضاء التي تُقدّر ساكنتها بخمسة ملايين نسمة تُنتج سنويا 140 مليون متر مكعب، على الأقل، بمعدل 28 مترا فقط لكل فرد.
وأوضح أن عدم معالجة المياه لا يَحرم المغرب فقط من استغلال هذه المياه، بل يؤدي أيضا إلى تلوث الفرشة المائية؛ وهو ما يحتّم، يردف المتحدث، “التفكير في استغلال هذه المياه بطرق ناجعة”.
وتظل نسبة معالجة المياه العادمة في المغرب أقلّ من نسبة معالجته في دول الخليج، والتي تصل إلى 35 في المائة؛ بينما تصل نسبة معالجتها في الأردن إلى 100 في المائة، نظرا للأزمة المائية التي تعاني منها، وتطمح دول الخليج أيضا إلى بلوغ هذه النسبة.
وتكفي المياه العادمة لسقي 2.7 ملايين هكتار من الأراضي الفلاحية في المغرب، على افتراض أن الهكتار الواحد يستهلك نحو 8 آلاف متر مكعب.
وحسب المعطيات التي قدمها يوسف بروزين، فإن إعادة استعمال المياه العادمة في المجال الزراعي لا يمكّن فقط من توفير مياه الشرب؛ بل إن هذه المياه تمكّن توفير الأسمدة بالمجان، والتي ارتفعت أسعارها خلال الآونة الأخيرة بحوالي خمس مرات.
وتوفر المياه العادمة 300 كيلوغرام من الآزوت و64 كيلوغراما من الفوسفور لكل هكتار من الأراضي الفلاحية.
وإضافة إلى استغلالها في مجال الري الزراعي، تشكل المياه العادمة مادة لتوليد الطاقة.
وبالرغم من الأهمية التي تمثلها المياه العادمة للمغرب، لا سيَما في ظل التغيرات المناخية التي أدت إلى توالي سنوات الجفاف، فإن ثمة معيقات تحول دون استغلالها على النحو المطلوب؛ منها تشتت المعلومات، حسب يوسف بروزين، داعيا إلى إحداث منصة لتبادل المعرفة ولتجميع البيانات المتوفرة لدى المؤسسات المعنية.
وأضاف الخبير المغربي ذاته أن ثمة عائقا آخر يتمثل في الشق التقني، ذلك أن عددا من محطات معالجة مياه الصرف الصحي تعاني من سوء التشغيل والصيانة. وضرب المتحدث المثل بمحطة أكادير التي كان متوقعا، عند انطلاق تشغيلها، أن تعالج 75 ألف متر مكعب من المياه العادمة في اليوم؛ لكنها لا تعالج سوى 30 ألف متر مكعب فقط من 100 ألف مكعب التي تفد عليها يوميا، بينما تصب 70 ألف متر مكعب في البحر، رغم أن المغرب يعاني من ندرة المياه.
وأكد أن تجاوز ضعف مردودية محطات معالجة مياه الصرف الصحي يقتضي استعمال تقنيات “فعالة اقتصاديا، ومستدامة بيئيا”.
ونبّه المتحدث ذاته إلى ضرورة معرفة مناحي استعمال المياه العادمة قبل معالجتها، لأن تكلفة المعالجة باهظة، موضحا: “إذا كنا سنستعملها في الغابات، فهذا لا يتطلب أن تكون معالَجةً مثل المياه الموجهة إلى سقي الفواكه أو الخضروات”.