جنازات بشرية لا تتشابه، ومراسم دفن تأسر كاميرات الباباراتزي، لمن يغويه التقاط لحظات حزن بادية على محيا المعزين، أو عناقات مقنعة لمواساة أقرباء الفقيد/ة.
حصيلة كبيرة، من المفارقات والتناقضات، تسجلها أعين المندسين وسط وفود المعزين، تتلصص بين فقد جلل وآخر مهدور على مقاصل الموتى الذين استحالوا إلى هياكل عظمية تمشي على ركام السنين، دون أن تتلذذ ببواقي الزمن وترميماته المهجورة.
الجنازات الصغيرة الفقيرة الغارقة في الهشاشة، لا يلتفت إليها الناس، ولا ترقى إلى حالة الاستقصاء الإعلامي أو الحظوة واستدرار الأضواء. وهي مهجورة من سمات العدد والعدة وسرايا العزاء (العشاء) الأخير ..
في حين تنفرد جنازات موتى الأغنياء وأصحاب النفوذ والسلط والواجهات، بقوة حضور لافت ومتوهج.
تتعدد المظاهر وتتلون بمدلولات الإثارة والتصنع والاستقطاب الهائل، ويشارك الأعداء والأصدقاء والغرباء في التشييع والاستقبال الرسمي للمعزين. كما هو الحال بالنسبة لجعل اللحظة مناسبة لعقد الاتفاقيات وترويج المشاريع وتحقيق الأرباح؟.
خلال السنتين الأخيرتين، تصدرت أخبار التشييع وسرادقات العزاء الصفحات الأولى للصحف الإعلامية، وسرت أشكال نشر تلكم الأخبار كمن يختار لغات متعددة للتعبيرات المقصودة وغير المقصودة، كوجه من وجوه استحضار مشاهد التمييز بين الموتى الراحلين. بين من يعتبر الرحيل صدمة وفجيعة، ومن يتفقد مقطعا حزينا من قدر لا يرحم.
أما الجدارة العائلية والقيمة الاعتبارية والوجاهة المجتمعية، فتكون نظاما مترفا على سبيل التفوق الوجودي وامتداده في جوهر الحياة وسيرورتها.
ومن أعجب عجاب هذا النظام التمييزي المقنع أن تقام السرادقات والساحات الكبرى لميت أو ميتة قضيا حياة مليئة بالبذخ والجنون، متواريين عن مجتمعات غارقة في العطش والجوع والأمراض، لا يقيمان لهذه الدنيا الفانية أي اعتبار أو معنى، كما هو الحال بالنسبة لمن يملك وجودا سحريا فوق العادة لا ينظر للموت قادما بالحقيقة والتأكيد، كما لو أنه سيبعث من جديد ليحكم عالم الغيب، وينتقل من وجود نهائي إلى حياة سرمدية ذات نعيم وكوثر مختوم؟.
يا أيها الإنسان، لو كان الموت يصنع شيئا لأوقف مد الحياة.. ولكنه قوة ضئيلة حسيرة بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة ..
The post نعوش ومقادير appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.