أريفينو : 20 شتنبر 2023
شكل المغاربة نموذجا مبهرا بتحركهم العفوي، الذي سبق حتى المؤسسات الخيرية و الإغاثية، فيما يخص التضامن مع منكوبي الزلزال الذي ضرب الحوز في 8 شتنبر الجاري، فبينما توافد المئات إلى المحلات التجارية لشراء المواد الغذائية والأساسية وكذا الأغطية والأفرشة، والتبرع بها للمتضررين، كل حسب طاقته وقدرته، شارك كثيرون في حملات التبرع بالدم، فيما سخر آخرون سياراتهم لإيصال المساعدات.
وفي الوقت الذي عمد فيه عدد ممن يسمون أنفسهم بـ “مؤثري” وسائل التواصل الإجتماعي إلى استغلال وضعية الأطفال وضحايا الزلزال لزيادة عدد المشاهدات في قنواتهم بـ” اليوتيوب”، أفرزت الفاجعة مؤثرين حقيقيين لا يهمهم لا “البارطاج” ولا الإشهار بل وبعضهم لم يكن على علم أن عدسات الكاميرا صورته لتوثق لحظة من لحظات التضامن التي مست قلوب المغاربة و أشاد بها باقي مواطني العالم.
“مول البيكالة”
في إحدى المساءات، بينما عدد من المواطنين ينظمون قافلة تضامنية مع ضحايا الزلزال، ظهر رجل خمسيني يرتدي “قندورة” ويمتطي دراجة هوائية يقصد مجموعة من الناس وهم يجمعون تبرعات بعض المحسنين ومن يرغب في المساعدة بما استطاعوا، ترجل الخمسيني من على دراجته وأمسك بنصف خنشة دقيق وقدمها لشاب كمساهمة منه في محنة إخوانه في الحوز.
المشهد المؤثر لم يكن هو هذا الفعل فقط، وإنما كون الرجل حالما قدم معونته رحل ممتطيا دراجته بسلاسة دون أي بهرجة و دون أن يدري أن الكاميرا وثقت كرمه و نخوته.
هو كل ما تملك.. أرادت التبرع بخاتم ذهب
وفي مشهد آخر لا يقل أهمية، ظهرت سيدة و البساطة تكسوها وتعلو محياها، لتقدم لمنظمين مكلفين بجمع تبرعات للمنكوبين، خاتمها الذهبي، في سخاء تام، بعدما لم تجد بدا من أن تساهم بشيء آخر غيره، بحسب ما صرحت به أمام الكاميرا التي وثقت اللحظة. لقد أزالته من أصبعها لكن الشباب المنظمين رفضوا ذلك وطالبوها بإعادة الخاتم إلى أصبعها وبادروا إلى تقبيل رأسها.
قلة حيلتها وعوزها جعلها بكل عفوية ودون تردد في أن تقدم ما تملكه بالرغم من أن ذلك الخاتم، ربما، يعني لها الكثير أو هو ذكرى من زوجها أو هدية ثمينة عزيزة على قلبها.
هذا التضامن الإنساني الذي أبانت عنه هذه السيدة حرك أيضا مشاعر العديد من المغاربة، وقد يكون سببا في أن سارع آخرون في الإنخراط بكل أشكال التضامن والتكافل.
لترات من الزيت
مشهد آخر من المشاهد الإنسانية التي عجت بها منصات السوشل ميديا و أبرزت قيم الإخاء والتعاطف والتضامن من المنكوبين، صورة إحدى السيدات وهي ترتدي “ملحفة” لباس تقليدي لساكنة الصحراء المغربية، وتحمل قنينة زيت من صنف 5 لتر متوجهة بها إلى إحدى اللجن التي كانت تجمع المساعدات لساكنة القرى الأكثر تضررا من الكارثة الطبيعية.
حال هذه السيدة لا يختلف عن الآخرين، فهي أيضا مغربية من المغاربة البسطاء الكرماء الذين لم يقبلوا بمشاهدة آلام المنكوبين المحتاجين للأكل والشرب واللباس والإيواء بعدما فقدوا منازلهم وذويهم في ليل الجمعة السوداء.
مؤثرون حقيقيون أبهروا العالم
هكذا أصبح كل من “الحاج مول البيكالة” و “مولات الخاتم الذهبي” و”مولات الزيت” أيقونات للعطاء والجود والكرم، أثروا في المغاربة كما باقي العالم و وصلت صورهم التي انتشرت كالنار في الهشيم على منصات التواصل الاجتماعي، إلى الإعلام الدولي الذي وقف منبهرا من أشكال التضامن الذي أبان عليه المغاربة في هذه المحنة التي خلفت قرابة 3000 آلاف قتيل وأزيد من 5000 جريحا. هؤلاء هم المؤثرون الحقيقيون.
هؤلاء المؤثرون الحقيقيون الذين يحق لنا بكل فخر الاقتداء بهم، لم يكونوا سوى أناس عاديين بسطاء وأحيانا معوزين، ربما هم أيضا في أمس الحاجة إلى التضامن الاجتماعي والاقتصادي بفعل توالي ارتفاع الأسعار وتقهقر قدرة شرائهم، ومع ذلك لم يخلفوا موعد الجود بما يملكون لضحايا الزلزال، بل تجندوا في الصفوف الأولى ليؤدوا الواجب التضامني مع إخوانهم من المناطق المنكوبة، ويرحلوا في صمت دون بهرجة ودون ضجيج.