أريفينو : 23 شتنبر 2023
ذكرى المولد النبويّ يحييها مسلمون كثر حول العالم بطرق وإن اختلفت تتشابه الروح فيها وتشترك في جو من السكينة والسلام ينتشر ما انتشرت أصوات الدفوف والمادحين.
لكل شعب طقوسه في الاحتفال بالمولد النبوي، وإن اختلف المسلمون في بلاد كثيرة حول جواز الاحتفال بهذه الذكرى من عدمه، فإن مظاهر الاحتفال لا تختفي ويشهدها من يزور هذه الدول ومن لم يزر تصله عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي انتشرت فيها اليوم صور الاحتفالات.
أكلات مميّزة
يعدّ المسلمون أكلات خاصة بذكرى المولد النبوي تكون في الغالب صنوفا من الحلويات.
يعدّ التونسيون “عصيدة الزقوقو” من حبات الصنوبر المطحون تزّين بطبقة من الكريمة والفواكه الجافة وحلوى ملوّنة خاصّة.
وفي مصر تنتشر “حلاوة المولد” بأنواعها المختلفة لكنّ أشهرها في هذه المناسبة هي “عرائس المولد” و”حصان المولد” وتصنع من السكّر.
أما الجزائريون في بعض مناطق البلاد فيحتفلون بإعداد “الطُمّينة” وهي حلوى تقليدية تصنع من السميد والعشل والزبدة.
ويطبخ العراقيّون الزردة من الرز والسكّر وماء الورد والهيل ويزيّن بالقرفة.
وهناك من المسلمين من يعدّ أكلات غير الحلوى احتفالا بالمولد النبوي، مثل أندونسيا التي يطبخ فيها الكاري التقليدي بكميات كبيرة ويوزّع للعموم.
المدائح والموسيقى الصوفية
يحيى المسلمون ذكرى النبي محمّد بمدائح تتلى عادة على أنغام الدفوف. وتنظم حفلات وحلقات للذكر والمديح يعددّ فيها عشّاق النبي خصاله ويطلبون شفاعته ويعبّرون عن حَرّ شوقهم لرؤياه.
ويجتمع البعض في حلقات حول منشدي السيرة النبوية.
وتشعل الشموع وتقاد المشاعل ليلا وتتزيّن أماكن العبادة بالأضواء ويتردد فيها ذكر الله ومديح نبيّه في كثير من الخشوع “في حضرة النبي”.
انتعاش بعض الأسواق في المولد
تطغى على احتفالات المسلمين بمولد نبيهم بهجة تزيدها الزينة والألوان ألقا. وتحول الاحتفالات كثيرا من الأسواق والساحات إلى لوحات فنية ساحرة.
ويكون المولد النبوي أيضا فرصة للتواصل والتجمّع حول ما لا يختلف عليه المسلمون المحتفلون بالمولد النبوي.
وتنشط بعض الأعمال التجارية في المولد النبوي حيث يزيد الإقبال على الحلوى ومكونات الأكلات الخاصة التي تعدّ للاحتفال والدفوف والزينة والملابس التقليدية وغيرها من لوازم هذا التقليد.
لكن بعض الناس يرون أن ذكرى المولد النبوي تحوّلت إلى مناسبة تجارية وفرصة للتربّح لدى بعض التجار.
ودفع هذا الأمر ببعض التونسيين مثلا لمقاطعة “الزقوقو” الذي يصنعون منه طبق العصيدة في المولد لارتفاع سعره.
ما أصل الاحتفال بالمولد؟
تختلف المصادر حول التاريخ الدقيق لمولد النبي محمّد بين من يقول إنه الثاني عشر من ربيع الأوّل وبين من يقول إنه السابع عشر من نفس الشهر.
وعن الاحتفال بهذه الذكرى، تقول المراجع التاريخية إن أول من احتفل بالمولد النبوي بشكل منتظم هو حاكم أربيل الملك أبو سعيد كوكبري.
وبعده احتفل الفاطميّون بالمولد النبي إلى أن أمر الخليفة المستعلي بالله عام سنة 488 هـ بإبطال الاحتفال.
واقتصر إحياء ذكرى المولد النبوي بعد ذلك على توزيع الحلوى وإخراج الصدقات وتوجه المسلمين إلى الجامع.
واختلفت طقوس إحياء ذكرى مولد النبي محمّد منذ ذلك الوقت بين توزيع الأموال على المسلمين الفقراء، وإلقاء الشعر والأناشيد في عهد الدولة الأيوبية إلى الاحتفالات الكبيرة الفخمة في عهد العثمانيين.
ويبقى الجدل الأكبر قائما كل عام بين محرّم للاحتفال بالمولد النبوي باعتباره “بدعة وضلالة” وبين من يرى فيه عادة حميدة حسنة.
اعتبر الأستاذ الجامعي إدريس الكنبوري، أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف “تستفيد منه الزوايا المتصوفة، لأنه بالنسبة لها موسم سنوي للدخل المالي؛ حيث تتدفق عليها الهبات والهدايا والأعطيات”.
وأوضح الكنبوري أن الاحتفال بالمناسبة الدينية المذكورة، التي تخلد مولد النبي محمد (ص) “يتجاوز اليوم الخلافات الدينية. هذه هي الحقيقة المرة. هناك ما يسمى “اقتصاد المولد النبوي” في العالم الإسلامي”.
وأضاف “انتقل الاحتفال بالمولد النبوي من طابعه الديني الأخلاقي إلى طابع مادي اقتصادي، مما انعكس على بنية الزوايا التي أصبحت تنظيمات هرمية أنتجت الانتهازية والوصولية”
مؤكدا أن عبارة “الفقراء” التي كانت تطلق على المتصوفة “لم تعد سوى كلمة خادعة؛ لأن هؤلاء انقسموا إلى فقراء وأثرياء بالمعنى الطبقي بعد أن كان لها مدلول أخلاقي؛ لذلك ليس غريبا أن تتحول بعض الزوايا إلى مقاولات بالمعنى التجاري، فلو منعت الاحتفال بالمولد لقاتلوك عليه”.
“إنه إسلام السوق بتعبير الباحث باتريك هايني”، يقول الكنبوري في تدوينة على حسابه بالفيسبوك ويضيف ” الإسلام الاستهلاكي الذي يركز على جوانب الاستفادة المادية من التدين”.
يذكر أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كانت قد أعلنت أن فاتح شهر ربيع الأول لعام 1445هـ، هو يوم الأحد 17 شتنبر 2023، وأن عيد المولد النبوي الشريف سيكون هو يوم الخميس 28 من شتنبر 2023.