كشفت مصادر أن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال تم توقيفه يوم السبت 16 نوفمبر لدى وصوله إلى مطار الجزائر الدولي قادما من باريس.
وذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسية، أن صنصال (75 عاما) تعرض للتوقيف من طرف عناصر المديرية العامة للأمن الداخلي الجزائري، ومن المقرر تقديمه قريبا أمام المدعي العام.
بحسب المصدر، لم ترد أي أخبار عن الكاتب منذ تاريخ توقيفه، مما أثار قلقًا لدى “دار غاليمار”، التي تنشر أعماله.
ونقلت صحيفة لوموند عن صديقه كزافييه درينكور، سفير فرنسا السابق بالجزائر، قوله: “اعتقدنا أن السلطات صادرت هاتفه الخلوي لدى وصوله إلى مطار الجزائر، لكنه لم يرد على رسائل البريد الإلكتروني الخاصة به أو تطبيق الواتساب أو خطه الأرضي في المنزل.”
وأضاف السفير الفرنسي السابق بالجزائر، أنه تناول العشاء مع المؤلف قبل يوم من مغادرته باريس نحو منزله بالجزائر على متن طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية.
ونقلت قناة “فرانس24” عن مقربين من صنصال أن الكاتب “انقطعت أخباره منذ مغادرته إلى الجزائر العاصمة. ولم تَرِد عنه أي أخبار منذ 6 أيام”.
أما إذاعة “مونت كارلو الدولية” الفرنسية فقالت نقلا عن مراسلها في الجزائر : “لا توجد معلومات رسمية، لكن بحسب ما علمنا؛ تم توقيف الكاتب الجزائري الفرنسي، السبت الماضي 16 نوفمبر، بعد قدومه من باريس نحو الجزائر العاصمة، وبعد خروجه من مطار هواري بو مدين الدولي، حاملاً جواز سفر فرنسياً”.
اليمين المتطرف يطالب بالإفراج
وفي فرنسا طالب عدد من السياسيين الفرنسين من اليمين المتطرف الحكومة الفرنسية بالتحرك للإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال، بينهم زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان، والسياسي إيرك زمور.
وكتبت مارين لوبان في منشور على منصة “إكس”: “الكاتب والمواطن الفرنسي بوعلام صنصال لم يُسمع عنه منذ فترة. هذا المناضل من أجل الحرية والمعارض الشجاع للإسلام السياسي قد يكون تم اعتقاله من قبل النظام الجزائري.”
وأضافت “إنها حالة غير مقبولة. يجب على الحكومة الفرنسية التحرك من أجل الحصول على إطلاق سراحه الفوري.”
أما إيرك زمور، فعلق: “لقد صدمت عندما علمت باعتقال صديقي الكاتب بوعلام صنصال. إنه مناضل حقيقي من أجل الحرية. ويجب على الحكومة الفرنسية أن تطالب بالإفراج الفوري عنه.”
أسباب التوقيف
حتى الآن، لم تعلن أي جهة رسمية في الجزائر توقيف الكاتب المعروف بأفكاره المثيرة للجدل حول الهوية الجزائرية والعلاقة مع “إسرائيل”.
وقال مراسل “مونت كارلو الدولية” إن المتابعة القضائية مرتبطة بتصريحات أخيرة لوسيلة إعلام فرنسية، قال فيها إن سبب المشاكل الحالية بين الجزائر والمغرب قرار فرنسا إعطاء جزء من المغرب، كما قال، بعد استعمارها، للجزائر، وذكر غرب الجزائر، وحتى بعض المدن، مثل وهران وتلمسان، معلومات خاطئة، ولا أساس لها من الصحة كما قال بعض المؤرخين والعارفين بشمال أفريقيا. حتى أن صنصال برر دخول الجيش المغربي، بعد استقلال الجزائر عام 1963، برغبة الرباط باسترجاع أراضيها في الجزائر، كما قال، وشبّه هذا بما يحدث في غزة حالياً”.
وأوضح المراسل أن “صنصال يتابَع، بعد هذه التصريحات، ببعض التهم، منها مثلاً المساس بالوحدة الوطنية، المساس بالسلامة الترابية للبلاد، التحريض من أجل تقسيم البلاد”.
وقال إن الكاتب “ينتقد في الجزائر بسبب مواقفه المعادية للجزائر وتاريخها وهويتها”، وإنه “يروّج لأفكار اليمين المتطرف الفرنسي المعادي للمهاجرين وللجزائر”.
وختم بالقول إن “بعض المعلّقين كذلك ينتقدون صلصال كثيراً بسبب مواقفه المساندة لإسرائيل”.
وفي 2012، زار صنصال “إسرائيل” وأطلق فيها تصريحات مستفزة يدعو فيها السلطات الجزائرية إلى منح تأشيرة الدخول إلى كتاب إسرائيليين، مثلما منحته حكومة الاحتلال الإسرائيلي التأشيرة حسب قوله.
كما أثار الكاتب سخطا واسعا في الجزائر، عندما نشر له مقال بصحيفة لوموند سنة 2016، شبّه فيه الهجوم الإرهابي على مدينة نيس الفرنسية، بما كان يقوم به ثوار الجزائر ضد المستعمر الفرنسي.
وأصبحت روايته الموسومة “2084” الصادرة عن دار “غاليمار” مادة دسمة لدعم أفكار اليمين الفرنسي الرافضة للوجود الإسلامي في فرنسا.
كما دأب الكاتب على معالجة مواضيع تتعلق بالتحولات السياسية والاجتماعية في الجزائر من خلال رواياته، مثل كتابه الأول “قسم البرابرة” الذي تناول فيه العوامل التي أدت إلى العشرية السوداء، و”قرية الألماني” الذي ناقش العلاقة بين النازية والحركات المناهضة للاستعمار.
كاتب متصهين
أدلى الكاتب الفرنسي مؤخرا بتصريحات خطيرة في برنامج على يوتيوب قد تفسّر توقيفه، تحدث فيها عن العلاقات الاستعمارية بين فرنسا والمغرب.
وادّعى “الكاتب المتصهين” مثلما يصفه البعض، أن فرنسا لم تحتل المغرب بسبب كونه دولة كبيرة، بينما تمكنت من احتلال الجزائر التي كانت، حسب ادعائه، جزءًا من المغرب في فترة الاستعمار.
ووصف البعض هذه التصريحات بأنها “خط أحمر” بالنسبة للسلطات الجزائرية، قد تعرضه للمحاكمة.
“زناة التاريخ”
ولد بوعلام صنصال عام 1949 بثنية الأحد في تسمسيلت، ويعيش حاليا في بومرداس، وقبل أن يصبح روائيا عمل مدرسا ومستشارا ومقاولا وموظفا ساميا في وزارة الصناعة.
وتخرج مهندسًا من المدرسة الوطنية المتعددة التقنيات بالجزائر ومن المدرسة العليا للاتصالات بباريس، وهو حائز على دكتوراه في الاقتصاد.
بدأ في الكتابة عام 1997، ونشر روايات عدة وهي “وعد البرابرة” و”طفل الشجرة الفارغة المجنون” و”قل لي الجنة” و”حراقة” و”قرية الألماني” و”شارع داروين”.
ويتطرق الكاتب الجزائري الفرنسي في الروايات المذكورة وفق تسلسلها الزمني إلى مواضيع شائكة تتعلق بالتطرف الإسلامي والعشرية السوداء ونظام الحكم الجزائري.
وتعرض صنصال للطرد من وزارة الصناعة سنة 2003.
كما أدرجه الروائي الجزائري رشيد بوجدرة في كتاب “زناة التاريخ” الذي يتحدث عن الكتاب الجزائريين الذين تصالحوا مع الاستعمار وتنكروا لتضحيات بني جلدتهم في نيل الاستقلال.
تجدر الإشارة إلى أن بوعلام صنصال حصل على الجنسية الفرنسية منذ أشهر عدة، وكان يخطط للعيش الدائم في فرنسا.