قال الكاتب والسيكولوجي الغالي أحرشاو إن “الكتابة التي تشكل الأداة الضرورية للأنشطة الدراسية المتمثلة في اللغات والعلوم والرياضيات والفنون وغيرها غالبا ما يفشل أطفال المغاربة من ذوي عسر الكتابة في اكتسابها بشكل طبيعي وَسَلِس”، موضحا أن “أي قصور في تعلم هذه الأداة والتمكن من مهاراتها لا بد أن تصاحبه انعكاسات سلبية على المسار الدراسي العام لهؤلاء”.
وتطرق المتحدث، في مقال له بعنوان “مقومات اضطراب عسر الكتابة لدى أطفال مغاربة”، إلى مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالموضوع، أبرزها “عسر الكتابة القرائي”، و”عسر الكتابة الحركي”، و”عسر الكتابة المكاني”، و”عسر الكتابة الناعمة”، و”عسر الكتابة الصلبة”، و”عسر الكتابة المندفعة”، و”عسر الكتابة المرتبط إما بمشاكل عضوية”.
وخلص أحرشاو، في ختام مقاله، إلى أنه “رغم تنوع أساليب التشخيص والعلاج والتكفل فإن برامج العلاج المعرفي والتوجيه التربوي والإرشاد السلوكي، وكل ما تنبني عليه من ممارسات وتدريبات لتصحيح وتجويد آليات ومهارات الطفل عسير الكتابة، تشكل أهم خطط التدخل المتوفرة إلى حد الآن”.
وهذا نص المقال:
في محاولة إبراز أهم مقومات اضطرابات اللغة في علاقتها بصعوبات التعلم لدى أطفال مغاربة، من خلال مثال عسر الكتابة Dysgraphie الذي يشكل اضطرابا في الحركة تجاه الخط، نشير إلى أن اكتساب كفاية الكتابة والتمكن من مهارتها اليدوية كان ومازال يمثل السيرورة الذهنية والحركية التي تتطلب سنوات من التعلم المتواصل، الذي يبدأ بحركات خطية عفوية على شكل “خربشات”، وينتقل إلى حركات خطية يحكمها الإدراك البصري، لينتهي إلى وعي الكتابة كفعل خطي قابل للتعميم على مختلف الكلمات والمفاهيم والرموز وغيرها. وهذا ما يعني أن قدرة الطفل على الكتابة عادة ما تتمظهر في إنتاجه الخطي الذي تحكمه حركات استعمال أصابع اليد للإمساك بالقلم وتوجيهه صوب سطح الورقة لرسم خطوط ورموز وأشكال؛ وهو إنتاج يتطور مع استمرار التعلم وتقدم السن ليصبح آليا بحكم التجربة والخبرة والممارسة.
الأكيد إذن أن الكتابة، التي تشكل الأداة الضرورية للأنشطة الدراسية المتمثلة في اللغات والعلوم والرياضيات والفنون وغيرها، غالبا ما يفشل أطفال المغاربة من ذوي عسر الكتابة في اكتسابها بشكل طبيعي وَسَلِس؛ بحيث إن أي قصور في تعلم هذه الأداة والتمكن من مهاراتها لا بد أن تصاحبه انعكاسات سلبية على المسار الدراسي العام لهؤلاء. والأكيد أيضا أن عسر الكتابة الذي يندرج في خانة الاضطرابات العصبية النمائية أو المكتسبة عادة ما يشمل بنسب متقاربة كل اللغات، بما فيها العربية، ليغطي ما بين 10% إلى 30% من الأطفال المتمدرسين عبر العالم. فرغم غياب الأرقام الرسمية لا نستبعد أن نسبة الأطفال المغاربة عسيري الكتابة قد لا تقل من وجهة نظر توقعاتنا الشخصية عن 20% كمعدل متوسط، وبالخصوص لدى الذكور أكثر من الإناث، وخلال سنوات التعليم الأساسي. فهذا الاضطراب الذي لم يحظ عبر العالم سوى باهتمام علمي جد محدود مقارنة بالاضطرابات العصبية النمائية الأخرى، وفي مقدمتها عسر القراءة وعسر الحساب، مازال يشكل في المغرب الموضوع الخصب الذي يحتاج إلى عمل علمي كبير وإلى مجهود بحثي مضاعف، سواء على صعيد التقويم والتشخيص أو على صعيد التدخل والتكفل.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه إذا كانت مقاربة كفاية الكتابة التي تتراوح سيرورات تعلمها في الحالات العادية بين المهارات الحركية المتناسقة والتكامل البصري الحركي، ثم الانتباه البصري بمستوياته المختلفة، لا تخرج عن سياق إما المرجعية العصبية- النمائية وإما المرجعية البيئية – المكتسبة، فهناك شبه إجماع على ثلاثة أصناف كبرى في حالات عسر هذه الكفاية واضطرابها: أولها يترجمه على التوالي عسر الكتابة القرائي الذي تتميز كتابة صاحبه بالعفوية والمقروئية إلى حد ما، وعسر الكتابة الحركي الذي تتميز كتابة صاحبه بالرداءة وعدم المقروئية، ثم عسر الكتابة المكاني الذي تتميز كتابة صاحبه بمشاكل في الخط والقراءة. وثانيها يتمظهر على التوالي في عسر الكتابة الناعمة، لكن غير منتظمة الحروف داخل الكلمات، وعسر الكتابة الصلبة جيدة التنظيم، ولكن المائلة نحو اليمين، وعسر الكتابة المندفعة والسريعة التي ينقصها التنظيم، ثم عسر الكتابة البطيئة، لكن الدقيقة والمتناسقة. أما الصنف الثالث فيتمثل على التوالي في عسر الكتابة المرتبط إما بمشاكل عضوية، وإما بمشاكل إدراكية- مكانية، وإما بمشاكل في التناسق والتخطيط الحركي.
والراجح أن هذا التنوع في أصناف عسر الكتابة، وتعدد أشكاله وتشعب صعوباته، لا يمنع من إجمال مختلف أسبابه وأعراضه في أربع خلاصات أساسية: قوام أولاها كونه يشكل اضطرابا عصبيا نمائيا يمنع عددا من الأطفال من التحصيل العادي لكفاية الكتابة، ومفاد ثانيتها كونه يعود إلى صعوبات في التمثل الحركي للكتابة، وفي الإدراك البصري-المكاني للأشكال والحروف والكلمات والأعداد والتمييز بينها، ومؤدى ثالثتها كونه يرجع إلى عجز في التناسق الحركي – البصري وما يصاحبه من خلل في الذاكرة البصرية على استرجاع أشكال الحروف والكلمات والأعداد اللازمة للأنشطة الدراسية، كالخط والنقل والإملاء. ومفاد الخلاصة الرابعة هي أن تشخيص هذا الاضطراب عادة ما يتم بواسطة مقاييس تستهدف تقييم المنتج الكتابي للطفل في وضعية ينقل خلالها نصا مكتوبا في مدة زمنية محددة، بناء على معايير وأساليب دقيقة لتدوين الحروف والكلمات، وبالخصوص على صعيد الحجم والشكل والعدد والمسافة والسرعة والتنظيم.
الحقيقة أن هذا التشخيص، الذي يتضمن بروتوكوله التجريبي أيضا نوعا من التقويم الكيفي لبعض العلامات السريرية الهامة، من قبيل الارتعاشات والخطوط الصغيرة ثم الحروف المقلوبة، لا يمكن الوثوق في مصداقيته العلمية إلا بالاحتكام بمضامينه الإكلينيكية إلى النماذج القياسية والتفسيرية لأعراض هذا الاضطراب، سواء عندنا في المغرب أو في غيره من بلدان العالم؛ وهي نماذج تتراوح في إجراءاتها القياسية بين بنود ومهام إما للإنتاج الحركي للحروف، وإما للمهارات اليدوية، وإما للتكامل البصري – الحركي، وفي مقوماتها التفسيرية بين اعتبار عسر الكتابة إما كعجز شبه كامل على الكتابة، وإما كعرض للرداءة في تدوين الحروف، وإما كمؤشر على غياب التماسك على مستوى الخط وتسلسل حركات العضلات المطلوبة للكتابة، رغم عدم وجود أي عجز ذهني أو عصبي حاد يفسر هذه المستويات من العجز أو القصور. وهي كلها نماذج قياسية وتفسيرية تروم تشخيص عسر الكتابة كاضطراب عصبي نمائي يتشبع بدرجة معينة بما هو عصبي وراثي وبما هو بيئي مكتسب، وتترجمه صعوبات في التمثل الحركي للكتابة، وفي إدراك انسجامها وتناسقها البصري – المكاني – الحركي. وهي النماذج التي يجب أن تحظى من منظورنا الشخصي بالاهتمام والأولوية في التعامل مع الأطفال المغاربة عسيري الكتابة، نظرا لما تنفرد به من فعالية ومردودية كبيرتين بالنسبة للفحص المبكر، وخصوصا في بداية تعلم هذه كفاية الكتابة، بحيث يبقى من البديهي أن كل واحد من هؤلاء يعاني من اضطرابات إدراكية – حركية قبل ولوج المدرسة، يجب أن يشكل موضوع اهتمام خاص ويقظة فائقة.
في خلاصة هذا المقال، نرى ضرورة التنبيه إلى أنه على الرغم من تنوع أساليب التشخيص والعلاج والتكفل فإن برامج العلاج المعرفي والتوجيه التربوي والإرشاد السلوكي، وكل ما تنبني عليه من ممارسات وتدريبات لتصحيح وتجويد آليات ومهارات الطفل عسير الكتابة، تشكل أهم خطط التدخل المتوفرة إلى حد الآن، والتي نؤكد على أهمية اعتمادها في التعامل مع الأطفال المغاربة عسيري الكتابة، من خلال التركيز على تدخلات وإجراءات أهمها:
– إخضاع هؤلاء في سن مبكر لتقويم دقيق، غايته فهم حقيقة عسر الكتابة لديهم ومستوى حدته، ومن ثمة المساهمة في توفير نوع من العلاج الأولي من خلال طمأنتهم والتنفيس عليهم وعلى محيطهم الأسري والمدرسي.
– اعتماد فحوصات تكميلية تستهدف الجوانب النفسية والعصبية والتربوية لهؤلاء، قبل الدخول في علاقة تواصل مع آبائهم ومدرسيهم بخصوص طبيعة التدخلات والإجراءات الأكثر نجاعة للاستخدام، وخاصة على صعيد مرونة التعامل معهم وتفادي توبيخهم نتيجة رداءة خطهم أو تعثرات في صوتهم أو فرط في نشاطهم.
– تيسير إدماج هؤلاء في الوسط المدرسي عبر تطوير قدراتهم الكتابية بناء على برامج للدعم والتدريب والإرشاد، يستخدمها فريق متعدد التخصصات، يتراوح حسب البلدان بين علماء النفس الحركة، والمروّضين المعالجين، ومقوّمي النطق، والمعالجين بالممارسة، ثم علماء النفس أحيانا؛ قد تستهدف حتى محيطهم العائلي والمدرسي.
– إعادة تربية وتأهيل هؤلاء على مستوى الاشتغال المعرفي والوعي الحركي من خلال ألْيَلَةِ نشاطهم الكتابي وتسريعه وتجويده، باعتماد أنشطة وتدريبات غايتها الكتابة المتكررة لعدد من الحروف والكلمات والجمل والنصوص.
– إنشاء وتوفيرالمؤسسات والمرافق العامة والخاصة الضرورية التي تتكفل بوظيفة استقبال هؤلاء الأطفال بمراكز طبية ونفسية وتربوية متخصصة؛ وذلك بهدف مساعدتهم على تجاوز كثير من صعوبات تعلم كفاية الكتابة، ومن مشاكل التوافق الدراسي.