شكل اقتصاد المعرفة إحدى أولويات النموذج التنموي الجديد، لأن المملكة المغربية تطمح إلى أن ترتقي إلى قطب إقليمي للتعليم العالي والبحث والابتكار، من خلال اعتماد تكوينات أكاديمية نظرية ومهنية تطبيقية، تجعل التعليم يركز على الطالب وضمان اندماجه في سوق الشغل.
فكيف تساهم جامعة القاضي عياض في الرقمنة، التي جعلها النموذج التنموي الجديد رافعة هامة للتحول السريع للاقتصاد المغربي؟ وما دور المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية في تنويع قطاعات الاقتصاد بمدينة مراكش؟ وهل يمكن الحديث عن شعبة الأمن الرقمي وأنظمة الاتصالات المدمجة كمشتل لإنتاج مبدعين في هذا المجال؟ وما هي الإضافة النوعية للأمن السيبراني؟.. هذه مجموعة أسئلة وجهت إلى أساتذة جامعيين وطلبة وفاعلين اقتصاديين؟
الإبداع والحرية
أول شرط لولوج شعبة الأمن الرقمي وأنظمة الاتصالات المدمجة هو حبها وامتلاك دافعية ذاتية، يقول أنس أبو الكلام، الأستاذ الجامعي بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، مضيفا أن “مشاريع مهمة ستنبع من هذه الشعبة، التي فتحت لتكون مجالا لانبثاق عقول جبارة ستساهم في بناء الاقتصاد الرقمي، وضمان الحياة له، وحمايته من التهديدات التي تشكل خطرا محدقا بالمؤسسات الاقتصادية، والمعطيات الرقمية لكل المؤسسات الإدارية الحساسة”.
وفي لقاء مع هسبريس، أوضح أبو الكلام، رئيس هذا التخصص العلمي، أن “تنويع قطاعات الشغل جعل الجامعة والسلطة الإقليمية والاتحاد العام لمقاولات المغرب بجهة مراكش أسفي وشركاء آخرين يتجندون لإيلاء العناية اللازمة للاقتصاد الرقمي عموما، والأمن السيبراني لحماية أمن الدولة وحماية أنظمتها المالية والاقتصادية والعسكرية والسياسية والصحية والمجال السمعي البصري من الهجمات الإلكترونية والقرصنة والتعطيل”.
التحسيس بالأمن الرقمي
وللتصدي للتهديدات التي تطال نظم المعلومات، نظمت المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية مع عدة شركاء الدورة الأولى لـ”أسبوع الأمن السيبراني”، لتقديم رؤى متعددة التخصصات حول هذا التحدي الرقمي، ولتعزيز العلاقات بين الجامعة والصناعيين وصناع القرار والمهندسين والباحثين والفاعلين الآخرين في القطاع الرقمي المغربي، بهدف التعاون وتطوير شراكات واقتراح حلول قابلة للتطبيق وتزويد المملكة بمهارات تلبي حاجيات سوق الشغل، يقول أبو الكلام.
مشاريع المستقبل
وللوقوف على مشاريع طلبة هذه الشعبة، زارت هسبريس المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، وعاينت تقديم مشاريع رقمية. وعن برمجيات التعرف على الوجه والمشاعر، قالت سلمة أمنعي: “أبسط مثال يمكن ضربه بخصوص أهمية هذا المشروع الجماعي هو وضع حد لشغب الملاعب”، مضيفة “سيمكن البرنامج من التعرف على المشجعين داخل الملعب وخارجه، والتصدي لهم قبل وصول الملعب أو بعد ارتكابهم أي فعل جرمي”.
وأكدت هذه الطالبة، في تصريح لهسبريس، أن “هذه التقنية ستساعد على اقتصاد الوقت بالنسبة للأساتذة وأرباب الشركات للتعرف على لائحة حضور الطلبة والعمال، واكتشاف مشاعرهم حول ما يقدم لهم كمحاضرات أو تعليمات وتصرفات بالمقاولات، مما سيساعد على تغيير خطط بأخرى لجذب انتباه الطلبة وتحفيز العمال”، مشيرة إلى أن “المشرفين على الفنادق سيستفيدون في التعرف على مشاعر الزبناء الذين لا يصرحون ولا يسجلون ملاحظاتهم في دفتر الشكايات”.
ويسعى المشروع الثاني إلى التدخل الاستباقي ضد اختراق منظومة أو شبكة رقمية للشركات، حسبما قال الطالب عثمان التومي، مضيفا أن “هذا البرنامج سيفحص الاتصالات الداخلية، وسيقي من تهديد المقاولات”. وأبرز أن “الجديد هو أن هذا البرنامج لا يحتاج إلى تحيين خارجي، بل سيقوم بذلك ذاتيا، وسيتكيف مع الشبكة الرقمية، ويكون معطياته بشكل مستقل، مما سيمكنه من حماية البيانات بفضل البرمجة الاستباقية التي تمنع الخطر”.
فيما اشتغلت الطالبة ياسمين أزروف ومجموعتها على برنامج له بعد إنساني، بفضل الذكاء الاصطناعي، سيساعد الأشخاص الصم والذين يعانون من ضعف السمع على “التواصل والتفاعل الاجتماعي مع محيطهم، من خلال ترجمة السلوكات اللغوية والعاطفية لجلسائهم، وهذا سيمكنهم من فهم بعضهم البعض”.
وتابعت الطالبة قائلة: “بفضل لغة الذكاء الاصطناعي التي اعتمدت في برمجة هذا المشروع، يجب أن يدمج في البنية التحتية للمدن، لأنه سيمكن ذوي الاحتياجات الخاصة من التواصل حين تسوقهم، ولحظة دخولهم المطاعم وغيرها من مجالات الحياة التي يقصدونها”.
الحاضنة
ولأن الاقتصاد المغربي بحاجة للتأمين الرقمي، خاصة أن معظم معاملاته تعتمد في قدرتها التنافسية على أدوات تكنولوجية، ولاستحالة القول بوجود شركة في العالم لديها مناعة رقمية تامة أمام الهجمات السيبرانية، وفق تعبير توفيق أبو الضياء، المدير العام لحاضنة المقاولات الناشئة (EBF)، فإن هذه المؤسسة مستعدة لاحتضان هذه المشاريع الجامعية لأن الاتحاد العام لمقاولات المغرب بجهة مراكش أسفي منكب على هذا المشروع للنهوض بهذه الجهة.
وأوضح أبو الضياء، الذي ينوب عن رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب بجهة مراكش أسفي، في تصريح لهسبريس، أن “الفاعلين بالمجال الاقتصادي تعلموا من جائحة “كوفيد- 19″ والتطور التكنولوجي تنويع القطاعات الاقتصادية، مما يفرض العناية بالصناعات الفنية والإبداعية، ودعم الاقتصاد الفلاحي والسياحي والصناعي”، مشيرا إلى أن دعامة هذه الصناعات هو النظام الرقمي لضمان حماية البيانات، وهذا أمر حتمي”.
وكشف رئيس الهيئة الاستشارية للسياسة المندمجة للشباب بجهة مراكش أسفي أن “المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية تعتبر أول مؤسسة جامعية تفتح شعبة الأمن الرقمي وأنظمة الاتصالات المندمجة كجواب عن حاجيات الاقتصاد المغربي، خاصة أن العالم يعرف خصاصا في المهندسين المتخصصين في هذا المجال، وهذا يمكننا من فرصة استثمارية داخلية وخارجية ستمكن من دخول العملة الصعبة إذا فتحنا الباب مثلا لمراكز الإغاثة الأمنية الرقمية”.
وحسب أبو الضياء، فإن “هذه المشاريع الرقمية تحظى بدعم قوي من قبل والي جهة مراكش أسفي كريم قسي لحلو، الذي يحث على تعاون الفاعلين الاقتصاديين والمهتمين بالنظام الرقمي، ويؤكد أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مستعدة لدعم جميع المبادرات الخلاقة. لذلك فإن حاضنة المقاولات الناشئة (EBF) معنية بمواكبة المقاولات الناشئة والمبدعة وجميع المبادرات، التي تدخل في مجال الصناعات الفنية والإبداعية، والأمن الرقمي، كمصدرين لإنتاج الثروة”.
وتميزت أشغال “أسبوع الأمن السيبراني” بمشاركة مختلف القطاعات المهنية والاقتصادية والجامعية، فضلا عن عدد من صناع القرار المغاربة وشخصيات دولية بارزة من الولايات المتحدة الأمريكية والقارة الأوروبية والخليج العربي.