قال الدكتور محمد بن طلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية، إن النخبة العسكرية الجزائرية، صانعة القرار الجزائري والماسكة بالملفات الأمنية والإقليمية والدولية، تفرض وجهة نظرها على توجهات السياسة الخارجية الجزائرية، وعلى رأسها الحفاظ على العداء الإستراتيجي للمغرب.
وأضاف الأكاديمي المغربي، في مقال معنون بـ”هذيان جنرالات الجزائر”، أن الأشقاء الجزائريين يدركون أن نظام العسكر هو الحاكم الفعلي للبلاد، واصفا إياه بـ”دولة داخل دولة”، ومشيرا إلى أن الجزائر هي البلد الذي يحق فيه للقوات المسلحة و”النخبة المختارة” اتخاذ القرارات الرئيسية، بما فيها اختيار الرئيس نفسه.
وهذا نص المقال كما توصلت به هسبريس:
تلعب النخب دورا كبيرا في حياة مجتمعاتها، فالقرارات التي تشارك في صنعها، والسلوك الذي تنتهجه في إصدار هذه القرارات وفي تنفيذها، يؤثر تأثيرا كبيرا في صناعة تاريخ تلك المجتمعات وتحديد مسارها؛ إنها كما حددها Raymond Aron تلك الأقليات الإستراتيجية التي توجد في مواقع إستراتيجية من المجتمع، وتتحكم في السلطة، ليس فقط داخل مجالها الخاص، لكن أيضا في مجال القضايا العامة.
بناء على ذلك، كان من الطبيعي أن تتوافر لكل مجتمع من المجتمعات، بغض النظر عن درجة نمائه وتطوره، نخبة تحظى بأهمية كبرى على مستوى قيادة الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
إن هذا يدعونا إلى البحث في موضوع القرار العام، لأنه من أهم الإشكالات التي أصبحت تثير اهتمامات البحث في مجال علاقة السلطة السياسية وبنية النظام السياسي.
إن القرار العام أصبح بشكل متزايد مجالا للإكراهات والإستراتيجيات، لذلك فإن النخبة عندما نربطها بمسألة القرار العام تبقى أساسا علاقة صراعات وإستراتيجيات، إنها تتجاوز بعدها القانوني وحتى المؤسساتي، لتصبح شأن أشخاص تعكس ميولاتهم وتصوراتهم حول القرارات وتخدم رهاناتهم حول السياسات العامة.
وهذا ما يتجسد فعليا على أرض الواقع في النخبة العسكرية الجزائرية، صانعة القرار الجزائري، التي تدير كل الملفات الأمنية والإقليمية والدولية، بل وتفرض وجهة نظرها على توجهات السياسة الخارجية الجزائرية، وعلى رأسها الحفاظ على العداء الإستراتيجي للمغرب، في سياق اقتصادي ريعي يعتمد على الفساد والتهريب.
إن الأشقاء الجزائريين يدركون تماما أن المؤسسة العسكرية هي الحاكم الفعلي للبلاد، إنها دولة داخل دولة، ويطلقون على حكم الجنرالات الدولة العميقة “le pouvoir” أو “the power”، وهي تجمع مؤثر من الأوساط الداخلية للنظام الحاكم؛ إذ اشتهرت الجزائر بأنها “الديمقراطية الخاضعة للسيطرة”، أو البلد الذي يحق فيه للقوات المسلحة و”النخبة المختارة” اتخاذ القرارات الرئيسية، بما فيها اختيار الرئيس نفسه.
[ Daoud, Kamel.(2015,may29).the Algerian exception.The newyork Times.(accessed on 7 may,2019) Retrieved from].
لقد أضحى الجنرالات يتمتعون بإمكانية الوصول إلى مراكز المال والأعمال، ولتوطيد أركان حكمهم أتقنوا اللعب على أوتار الوطنية والقومية والحفاظ على مكتسبات القوة الضاربة ومحاربة الإرهاب ودعم حركات التحرر من طرف الجزائر، قبلة الشهداء والثوريين، والتصدي لمؤامرات العدو الخارجي والحفاظ على العداء الإستراتيجي للمغرب.
نعم إن عداء المغرب، الدولة الأمة ذات التاريخ الحضاري العريق، أصبح عقيدة وإيديولوجية ثابتة، يحاول نظام الجنرالات ترسيخها في الأجيال المقبلة عبر حشرها ضمن المقررات التعليمية. ولعل آخر هرطقات هذا النظام العسكري الجزائري هي الإدلاء عبر مقال بجريدة “Algerie patriotique”، وهي الجريدة المعروفة بقربها من الجنرالات، بأن كل المغاربة المتواجدين حاليا في الجزائر هم بمثابة جواسيس للمخزن والموساد الإسرائيلي، وهم بمثابة خطر على الأمن القومي، محرضة على ضرورة طرد المغاربة، بل وتشجيع الأشقاء الجزائريين على الانخراط في هذه الحرب المقدسة.
إن هذا التحريض الذي يدعو إلى العنف والكراهية، ويأتي ضدا على كل المواثيق الدولية المتعلقة بحماية المهاجرين، وضد مبادئ القانون الدولي الإنساني، يذكرنا بما قام به “بومدين” سنة 1975 حينما قام بطرد أزيد من 45 ألف أسرة مغربية من الجزائر في إطار ما أسماها “المسيرة السوداء”.
الآن، وبعد استعراضنا ما سبق، نؤكد لجنرالات الجزائر أن المغرب لن ينجر إلى حماقاتهم، ولن نقوم بأي إجراء سلبي تجاه أشقائنا الجزائريين المتواجدين بين ظهرانينا، والذين تربطنا وإياهم رابطة العرق واللغة والدين والدم والتاريخ المشترك، وأن لنا كامل الأمل والثقة في الحراك الجزائري المبارك، الذي بفضله ستحرر إرادة الشعب الجزائري المغلوب على أمره، ويفك الارتباط من حكم النزوات الفردية. هذا الحراك الذي يحاول أن يرسم أهدافه مستقبلا من أجل بلورة رأي عام ينتصر للديمقراطية وللفكر المغاربي، وفي إنتاج خطاب يحيي الأمل في الانتقال من نمط مركزية القرار إلى قرار تداولي…إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب….؟.