تعيش تونس، منذ صيف السنة الماضية، على إيقاع سياسي وقانوني وتشريعي متصاعد مثيرا مزيدا من الجدل، بعد أن علق الرئيس التونسي قيس سعيد العمل بأجزاء كبيرة من الدستور الحالي في نهاية شتنبر 2021.
ومع اقتراب الإعلان عن مسودة لمشروع الدستور التونسي الجديد، التي قرر سعيد تكليف الصادق بلعيد بالإشراف على هيئة لإعدادها دستور “الجمهورية الجديدة”، على أن تُعرَض على أنظار الرئيس لاحقا؛ يتجدد الجدل والنقاش في الساحة السياسية التونسية حول “الهوية الدينية” للدولة في ظل تطورات اجتماعية متسارعة تعرفها “بلاد الياسمين” منذ انتفاضات العام 2011.
وينص الفصل الأول من الباب الأول للمبادئ العامة للدستور التونسي المعتمد منذ عام 2014 على أن “تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها”.
الصادق بلعيد، منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد الدستور الجديد في تونس، أكد، في حوار مع وكالة الأنباء الفرنسية (أ.ف.ب)، أنه سيعرض على الرئيس قيس سعيد مسودة لن تنص على أن الإسلام دين الدولة، بهدف التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار “حركة النهضة”.
وأضاف بلعيد، الذي اشتغل أستاذا جامعيا متخصصا في القانون الدستوري، أن “80 في المائة من التونسيين ضد التطرف وضد توظيف الدين من أجل أهداف سياسية. وهذا ما سنفعله تحديدا، وسنقوم بكل بساطة بتعديل الصيغة الحالية للفصل الأول”.
وفي رده على سؤال للوكالة عما إذا كان ذلك يعني أن الدستور الجديد لن يتضمن ذكرا للإسلام بصفته مرجعية، أجاب بلعيد قائلا: “لن يكون هناك”، قبل أن يُردف متابعا: “هناك إمكانية محو الفصل الأول في صيغته الحالية”.
تعليقا على ذلك، أكد الباحث منتصر حمادة، من “مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث”، ومقره الرباط، أنه “مِن الصعب الحديثُ عن صدور نسخة مُعدلة من الدستور التونسي، لا تتضمن الإحالة على المرجعية الدينية للمجال الثقافي والحضاري التونسي، أي الإحالة على الإسلام”، مفسرا ذلك بكون الأمر يتعلق بـ”تونس القيروان وتونس التي أنجبت العديد من العلماء والفقهاء والصلحاء”.
وتابع حمادة شارحا، في تصريح لـهسبريس، أنه “حتى في حقبة الرئيس الحبيب بورقيبة، الذي كان يُلقب بـ”الأتاتورك العربي”، أو حقبة زين العابدين بن علي الذي تبنى مقاربة أمنية صارمة ضد الإسلاموية، لم يذهب المُشرع التونسي إلى درجة استبعاد المكون الإسلامي في الوثيقة الدستورية”.
وأكد الباحث، الذي يرأس مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، أن “مسودة الدستور القادم في تونس من المفترض أن تمُر من مرحلة الاستفتاء المزمَع تنظيمه في غضون 25 يوليوز المقبل، أي استفتاء موجه إلى الرأي العام، الذي يبقى رأيا محافظا، دون أن يكون بالضرورة إسلامويا، ما دامت المرجعية الإسلامية الحركية أقلية”، مشيرا إلى أن الأمر نفسه ينسحب على “المرجعية الحداثية أو ما يُصطلح عليه بالمرجعية العلمانية، على غرار السائد في المِخيال العام لشعوب المنطقة المغاربية والعربية”.
وخلُص حمادة، في ختام حديثه مع هسبريس، إلى أن “مؤشرات الخطاب العلماني قائمة وجلية في الساحة التونسية منذ عقود، سواء كانت مؤسساتية أو في خطاب بعض النخب الفكرية والسياسية والإعلامية وغيرها؛ ولكنها تبقى أقرب إلى علمانية نسبية أو جزئية وليست علمانية صارمة أو حَدية على غرار السائد في النموذج الفرنسي مثلا، خاتما باستبعاد فرضية “تفعيل خيار حذف أو عدم التنصيص على الدين من مسودة الدستور التونسي المقبل”.
في سياق متصل، أشارت بعض الفعاليات الثقافية التونسية المشارِكة حاليا في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، والتي التقت معها جريدة هسبريس الإلكترونية على هامش فعالياته، إلى أن حديث الصادق بلعيد، المكلف بالإشراف على كتابة دستور جديد، لا يَعدو أن يكون بمثابة “بالون اختبار” أو ما يشبه “جس نبض الشارع التونسي تجاه مسألة التنصيص الدستوري على دين الدولة”، مفسرة ذلك بـ”كون الشعب التونسي يعد في عُمقه وتاريخه شعبا مُحافظا مرتبطا بالتقاليد الدينية”.