تناول الناقد المغربي محمد بنعزيز، في مقال له، لقطات من “فيلم الذنب مؤمركا the guilty ” لمخرجه الأمريكي أنطوان فوكوا، واستهلها بوصف “شرطي في زاوية، في مكان مغلق، يتواصل من عالمه الداخلي مع العالم الخارجي؛ شرطي تحت الضغط يعمل في عزلة، حيث يقدم البطل في لقطات مقربة جدا تنتهك حميمية الشخصية التي تتواصل عبر الهاتف”.
وأشار بنعزيز، في مقاله المعنون بـ”فيلم الذنب مؤمركا.. أسبقية الصوت على الصورة”، إلى أن “الفيلم يجري في ثمان ساعات مما يجعل التوتر شديدا، لا نرى من يتحدث ولا ما يجدي، التراجيديا خارج الكادر، تُنقل لنا بالصوت وليس بالصورة”، مضيفا أن “الفيلم طبعة أمريكية remake عن فيلم دنماركي يحمل الاسم نفسه وصدر في 2018 من إخراج غوستاف مولر”.
وبعدما تحدث محمد بنعزيز عن مجموعة من لقطات الفيلم، قال: “قرأت في أماكن كثيرة أن الصوت يسمم الصورة في السينما، وكان هذا وهما حين اكتشفت قول روبير بروسون عن الصوت والصورة في كتابه Notes sur le cinématographe، حيث قال إنه يمكن للصوت أن يعوض الصوة في نقل المعلومة، وقد يضاعف تأثيرها”.
هذا نص المقال:
شرطي في زاوية، في مكان مغلق، يتواصل من عالمه الداخلي مع العالم الخارجي، شرطي تحت الضغط يعمل في عزلة. يقدم البطل في لقطات مقربة جدا تنتهك حميمية الشخصية التي تتواصل عبر الهاتف، يجري الفيلم في ثمان ساعات؛ وهو ما يجعل التوتر شديدا، لا نرى من يتحدث ولا ما يجدي، التراجيديا خارج الكادر، تُنقل لنا بالصوت وليس بالصورة. صوت كثيف مؤثر. في فيلم المذنب the guilty 2021 من إخراج الأمريكي أنطوان فوكوا.
الفيلم طبعة أمريكية remake عن فيلم دنماركي يحمل الاسم نفسه وصدر في 2018 من إخراج غوستاف مولر. فيلم حقق نجاحا نقديا وفي المهرجانات، فقررت منصة نيتفليكس أنه يستحق تدويره remake طبعة جديدة مؤمركة.
كيف؟
تم نقل الأحداث لتجري في لوس أنجلس وهي مركز الكون بالنسبة لهوليود، تغير مكان الأحداث من هامش إلى مركز. ولتعميق درامية المكان بالزمن، تجرى الأحداث أثناء حرائق الغابات في كاليفورنيا، حرائق لزيادة منسوب الدراما، صُورت الحرائق في حينها وتم إدماجها في الأفلام، في هذا السياق الكل تحت ضغط الدخان والزمن… الشريط الصوتي في الطبعة الأولى للفيلم بسيط، فقير، بينما الشريط الصوتي في الطبعة الجديدة مذهل، ومشكوك أن تستطيع شركات صغرى توفيره. مشكوك أن تملك موارد ووسائل التلاعب بالحواس الخمس للبشر في زمن الثورة التكنولوجية.
هذا الفيلم هو طبعة عالمية لنسخة محلية وفيه لمسة تقنية وتجارية أكبر… كل فيلم تعيد نيتفليكس كتابته وإصداره تصير الطبعة الجديدة منه أشهر من الأصلية، هكذا تعيد المنصة سالفة الذكر صوغ الفن العالمي من منظورها، تُنمط المجتمعات والفنون فتختفي الفوارق. وهذا ما حصل في المواسم الأخيرة من سلسلة ” لاكاسا دي بابيل”. إن للتمويل الكبير تأثيره في الفن، هنا يُسمع المال صوته، يطهر هذا في فيلم “المذنب”، في جودة التصوير وثراء الصوت لاقتناص المتفرجين.
حين يشتد الضغط على المذنب يختنق، كان التنفس استعارة للفيلم، “المكان مظلم ولا أستطيع التنفس” هو لايت موتيف الفيلم، والمبرر مكاني: حرائق كاليفورنيا.
تشتبك قصة الضابط بقصة المتصلين به، اقترب أكثر مما ينبغي ممن يشتكون لأنه رجل يجذب المصائب وصديقه مثله، لا يلتزم بالقانون… يكشف عنفه اللفظي طريقة تعامله مع أسرته… التعساء ينقذون التعساء… الطيور على أشكالها تقع… يفترض أن رجال الشرطة أسوياء يدبرون وضعيات مختلة، لكن المفاجأة هي حين يكون الشرطي نفسه يعيش اختلالا…
ضابط يسقط تعقيدات حياته الشخصية على عمله…، يعمل في مناوبة ليلة، عصبي يفضح غضبه عدوانيته، متابع في قضية جنائية، مصيره مرتبط بشاهد محكمة سكير، شاهد كذاب يزعم أنه في مكتب العمل بينما هو رفقة امرأة تشهق ويفترض أن يستنتج من الصوت أن هذا الشاهد سيحطم مستقبله… تصل هذه المعلومات إلى المتفرج عن طريق الأذن…
في الفيلم فراغات كثيرة تُحرض المتفرج على تشغيل خياله لإتمام الصورة المفقودة لديه.
الفيلم عينة لغلبة الصوت على الصورة في السرد الفيلمي
عندما لا يكون هناك حدث يكثر السيناريست من الحوار. كيف يعزز الحوار معنى الصور؟ كيف يكشف الحوار الشخصية؟ كيف يضيء الحوار أو التعليق أو الصوت المشهد الذي يجري؟
حوار قصير تم الاشتغال عليه طويلا… بذل الممثلون جهدا كبيرا لجعل أصواتهم معبرة عما لا يرى في فيلم يشبه مسرحية إذاعية رفعها مونتاج الصوت إلى مستوى عال… صوت سهل التمويه على السمع لأن العين لم تشاهد، وحين انكشفت الحقيقة تقيأ الشرطي الأكاذيب التي تلقتها أذنه… وطلب من شاهده تقديم الحقيقة…. هكذا فالنصف الثاني يهدم النصف الأول خطوة خطوة.
وضع المخرج الصوت والصورة في سباق كشف المعلومات. هكذا حذف المخرج الصورة، فألقى العبء على الصوت لتوضيح القصة.هناك صورة واحدة وعشرات المعلومات التي تنكشف عن الفرد بفضل هاتفه ورقم سيارته وملف سوابقه وموقعه بفضل غوغل.
كان السلاح الوحيد للإنقاذ هو الهاتف، اتصل الشرطي بثلاثة أفراد من عائلة واحدة… يتخيل المتفرج الشخصية انطلاقا من صوتها… تتبدل نبرات صوت شخصية تحكي، تتذكر، تبكي… يتولى الشرطي تدبير حالة جنون عن بعد، بالصوت… بينما يتواصل صبيب المعلومات والأحاسيس والأنين، وبفضل هذا يتصور ويتخيل المتفرج الشخصية المتصلة التي لا تظهر على الشاشة.
قرأت في أماكن كثيرة أن الصوت يسمم الصورة في السينما، كان هذا وهما حين اكتشفت قول روبير بروسون عن الصوت والصورة في كتابه Notes sur le cinématographe. قال إنه يمكن للصوت أن يعوض الصوة في نقل المعلومة، وقد يضاعف تأثيرها.
في الطبعة الأمريكية من الفيلم، يتواصل الصوت بقوة مع المتلقي ويزوده بما يكفي من المعلومات والأحاسيس التي تؤهله لفهم ما يجري، بل لتخيل التتمات المحتملة.