يبدو أن الخلاف بين الشريكين التجاريين لسنوات ذاهب في منحى أكثر جدية مما بدا عليه في أول ردود الفعل الإسبانية على القرار أحادي الجانب الذي اتخذته الجزائر بتعليقها معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع الدولة الإيبيرية، رفضا لتغيير موقف الأخيرة من الصحراء المغربية، لاسيما مقترح الحكم الذاتي الذي اعتبرته حكومة سانشيز “الأكثر جدية وواقعية”.
وسارع خوسيه مانويل ألباريس، وزير الخارجية الإسباني، وفق ما كشفته صحيفة “إلكونفيدنسيال” الإسبانية، إلى الاتصال بجوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، لبحث تداعيات القرار الجزائري وطلب الدعم السياسي؛ الأمر الذي دفع المفوضية الأوروبية إلى التدخل ودعوة الجزائر إلى “التراجع عن قرارها الذي وصفته بالمقلق للغاية”.
كما قرر مسؤول خارجية حكومة سانشيز إلغاء رحلته إلى لوس أنجلوس الأمريكية للمشاركة في قمة الأمريكيتين، حيث قرر التوجه بدل ذلك إلى بروكسيل، اليوم الجمعة، للقاء فالديس دومبروفسكيس، المفوض الأوروبي للتجارة.
واعتبرت الصحيفة الإسبانية سالفة الذكر أن النظام الجزائري قرر هذه المرة اتخاذ إجراءات انتقامية ضد إسبانيا لم يتخذها حتى مع فرنسا في أكثر الظروف توترا بين البلدين.
وأبرزت “إلكونفيدنسيال” أن مجموعة من المؤشرات تؤكد أن الجزائر قد تذهب أبعد من ذلك، بمنع توريد إسبانيا بالغاز عبر خط أنابيب “ميدغاز” –الخط الوحيد الذي لا يزال يربط البلدين”؛ وهو ما أشارت إليه كذلك تيريزا ريبيرا ، وزيرة الطاقة الإسبانية، على الرغم من أن هذا القرار، أضافت الصحيفة ذاتها، من الصعب اتخاذه؛ بالنظر إلى تداعياته السياسية، إذ يمكن مقاضاة الجزائر في المحاكم الدولية.
في مقابل ذلك، تدرس الجزائر رفع ثمن توريد إسبانيا بالغاز، إذ تجري حاليا مفاوضات حول مراجعة أسعاره، في ظل صعوبة نقض العقد الذي يربط البلدين في هذا القطاع، في الوقت الحالي –على الأقل- بالنظر إلى مدة العقد الحالي يمتد لعقد آخر من الزمن.
وأشار المصدر ذاته، في هذا السياق، إلى مقال صدر في الصفحة الأولى لصحيفة “الجزائر باتريوتيك”، الذي عنونته بـ”نحو عدم تجديد عقد توريد الغاز من الجزائر إلى إسبانيا”، وهي الصحيفة المملوكة للطفي نزار، نجل الجنرال الجزائري خالد نزار، الذي سبق أن شغل منصب رئيس الأركان. وأوردت “الكونفيدونسيال” أن العسكر كان له دور في اتخاذ القرار الأخير ضد إسبانيا ولم يكن قرارا لعبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية وحده، إذ كشفت أن القرار اتخذ بعد اجتماع مجلس الأمن الأعلى الذي شارك فيه سبعة عسكريين بدءا برئيس الأركان وستة مدنيين.
وبالنسبة لإسبانيا، فمن الصعب محاكمة الجزائر حول قرارها الأخير، لاسيما أنها ليست عضو في منظمة التجارة العالمية؛ لكن في المقابل، أكد المصدر ذاته، إمكانية إدانتها أمام مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر باعتبار إسبانيا جزءا من هذا الكيان، وتدخل ضمن الاتفاقية الموقعة مع الجزائر في بروكسيل في 2005.
كاتب المقال أكد أيضا أنه لا يحق للجزائر، بموجب المادة الـ17 من الاتفاقية سالفة الذكر، وضع قيود على واردات المنتجات من أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي. أما المادة الـ37 من الاتفاقية ذاتها فتلزم الجزائر بالموافقة على عمليات التوطين البنكي المتعلقة بنشاطات التصدير والاستيراد من وإلى إسبانيا، وهي العملية التي جمدتها الجزائر ابتداء من أمس الخميس.
لكن بالنسبة للجزائر، أوضح دبلوماسي جزائري معتمد في بروكسيل لـ”إلكونفيدنسيال” أن الاتفاقية التي علقتها الجزائر ليست متعلقة بالأنشطة التجارية فقط، مشيرا إلى أنها تنص كذلك على تعزيز الحوار السياسي واحترام القانون الدولي وفقا لميثاق الأمم المتحدة، لذلك فإن “حكومة سانشيز لم تمتثل لبنود هذه الاتفاقية”، وفق تعبيره.
وسجل المتحدث إلى الصحيفة الإسبانية أن إسبانيا لم تبلغ الجزائر بنية أو قرار تغيير موقف الحكومة بشأن قضية الصحراء”، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك حوار سياسي مع الجزائر التي اعتبرها “تأثرت كذلك بكل ما يتعلق بالصحراء”.