كشفت دراسة حديثة عن أبرز عادات وتفضيلات شراء واستهلاك المواطنين المغاربة للمنتجات التي يجري تداولها داخل السوق الوطنية، سواء تلك المُصنّعة من طرف علامات تجارية مغربية أو المستوردة من الخارج التي تقف وراءها “ماركات أجنبية”، بعضها ذات صيت عالمي أو شركات متعددة الجنسيات.
واستهدفت الدراسة التي أنجزتها مجموعة أبحاث ودراسات السوق “Sunergia” في إطار سلسلتها “Market insights”، بتعاون مع صحيفة “ليكونوميست”، اليومية الاقتصادية الأولى بالمغرب، استقصاء ومعرفة رأي المغاربة عن نمط استهلاكهم والتحقق من خيارات الأفضلية لديهم إزاء منشأ المنتجات (المغربية أو الأجنبية)، في ظل تسارع وتيرة مبادرات تشجيع الاستهلاك المحلي للمنتوجات الوطنية التي أطلقتها المملكة بعد جائحة “كوفيد-19” قبل أن تصبح أولوية في إطار خطة الانتعاش الاقتصادي لضمان “توازن الميزان التجاري”.
وشملت هذه الدراسة التي اطّلعت هسبريس على أبرز خلاصاتها، والتي امتدت طيلة شهرين (من 17 مارس إلى 16 ماي 2022)، عيّنة من المبحوثين المغاربة وصل عددهم إلى 1004 أشخاص، تم استجوابهم بشكل عشوائي مع الحد الأقصى لهامش الخطأ قُدّر بـ (٪3+/-)، في حين تم إجراء المقابلات والاستقصاءات عبر نظام المقابلات الهاتفية باستخدام الحاسوب بعد التحقق (CATI).
وفي أبرز نتائجها، أوضحت معطيات الدراسة البحثية أن “60 في المائة من المغاربة الذين تم استجوابهم يفضّلون شراء المنتجات من العلامات التجارية المغربية، بشكل عام”، في حين “يفضل الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 55 عامًا أو أكثر وسكان القرى وبعض الفئات السوسيو-مهنية شراء منتجات من العلامات التجارية المغربية”.
أما بالنسبة لفئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما، والمقيمين في جهات وسط المملكة والفئات الاجتماعية-المهنية A وB، فقد بينت معطيات ومؤشرات الدراسة أنهم يفضّلون شراء المنتجات من العلامات التجارية الأجنبية، بينما صرح 20 في المائة من المغاربة المستطلَعةِ آراؤهم بأنهم “لا يوافقون على هذا السؤال”.
جهويا، وباعتماد المقياس الجغرافي، جاءت جهات الشمال الشرقي والجنوب بأعلى معدلات تفضيل للمنتجات المغربية بنسبة 61٪ و64٪ على التوالي، بينما يبدو أن ساكنة المركز (وسط البلاد) تميل إلى شراء العلامات التجارية الأجنبية (25٪).
وأشار معدّو الدراسة إلى أنه تم تعديل البنية المشكّلة لعينة الدراسة وفق معايير راعت الحصص الخمس: الجنس، والعمر، والوسط (الحضري أو القروي) والجهة، فضلا عن الفئات السوسيو-مهنية (CSP)؛ قصد جعلها تتوافق وتتلاءم مع بنية الساكنة المغربية التي أفرزتها نتائج الإحصاء العام لعام 2014 الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط.
وعكس ما قد يبدو أن سياقات الجائحة قد تكون ساهمت أكثر في “تشجيع المنتوج الوطني”، فإنه قد سبق القيام بدراسة مماثلة، في عام 2018، نشرت تحت عنوان: “معظم المغاربة يُفضّلون استهلاك المنتج المحلي”، أكد القائمون عليها أن “النتائج لم تشهد تغيُّراً بشكل جذري”، ملاحظين أن النتائج حينَها أفرزت أن “60 في المائة من المغاربة يُفضّلون العلامات التجارية المغربية، بينما نسبة 27 بالمائة منهم تميل لشراء واستهلاك “العلامات التجارية الأجنبية”.
وتفاعلا مع الموضوع، أبدى وديع مديح، رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك بالمغرب، تحفُّظا على التعليق بخصوص مخرجات ونتائج الدراسة أعلاه، “سواء بالتأكيد أو النفي”، قائلا إن إطاره الجمعوي بصدد إصدار دراسة مماثلة عن الموضوع نفسه، قريباً، سبق أن أنجُزت في شهري يناير وفبراير الماضيين، وهمّت عينة تمثيلية من 5 آلاف مبحوث، وهو ما قد يعكس نتائج مغايرة لما توصلت إليه دراسة “سونيرجيا”.
وأشار مديح، في معرض حديثه لهسبريس، إلى أن أساسيات الاستهلاك بالمغرب تتضمن معياريْن أساسيين لا بد من توفرها في المنتوج الوطني كي يتم الإقبال عليه؛ أولاً “مدى مطابقة المنتج لمعايير الجودة والسلامة المتعارف عليها”، وثانيا “احترام قوانين حماية المستهلك”، متسائلاً في هذا الصدد: “لماذا يلجأ بعض المغاربة إلى استهلاك مواد ومنتجات مهربة من الخارج؟”.
وانتقد مديح طريقة عمل بعض الدراسات والأبحاث الخاصة بالمستهلك، قائلا إنه “لا يتم-في الغالب-إشراك الجمعيات المعنية بالأمر، في حين غالبا ما تُقابَل الشكايات التي يقدمها المستهلك المغربي بالتجاهل”، لافتا إلى “إشكالية عدم الثقة في المورّد المغربي”.