بعد رحيل المسرحي البارز عبد القادر البدوي، الذي كان من مؤسسي المسرح المغربي، صدرت مذكراته المقدمة في شكل حوارات مطولة، عن دار النشر “سليكي أخَوين”، بعنوان “سيرة نضال”.
هذه الحوارات التي رأت النور في “كرسي الاعتراف” بجريدة المساء، بعدما أجراها الصحافي رشيد عفيف، غطت عطاء البدوي وشهاداته وآراءه في أزيد من نصف قرن من العمل المسرحي.
منذ عهد الاحتلال، يحكي البدوي في هذه المذكرات بدايات الاستعمار، وتضييقه المباشر على مسرحيات ذات نفس سياسي وطني، ويحكي عن زمن المطالبة برحيل الاستعمار، ثم مطبات النضال من أجل الثقافة والإبداع في مغرب ما بعد الاستقلال.
ويحكي عبد القادر البدوي عن المسرح قبل أن يصير مربحا، وجولاته مع العمال، والطلبة، وفئات متعددة من المجتمع المغربي، في مختلف أنحاء البلاد، بمواضيع تهم راهن المملكة ومواطنيها والقضايا الإنسانية التي من أبرزها “القضية الفلسطينية”.
ويتحدث عبد القادر البدوي عن المضايقات التي واجهها عمله، ثم منعه من الحضور في التلفزيون العمومي في عهد الملك الحسن الثاني، كما يتطرق لمواضيع عرف بمناهضته لها طيلة حياته، وعلى رأسها “اجتياح اللوبي الفرانكفوني للمشهد الثقافي والفني”، واحتكار شركات الإنتاج لسوق الإنتاج الدرامي التلفزيوني.
ويرى البدوي أن هذا “اللوبي الفرانكفوني” يستهدف “ضرب مقومات الهوية المغربية”، وهو ما يعكسه، في قراءته؛ “منتجهم الدرامي الهزيل والمبتذَل الذي يهدف إلى السخرية من الشخصية المغربية، وإلى جعل تقزيمها واحتقارها مصدرا للإضحاك، كما يستهدف اللغة العربية” بأعمال “يستنكرها الجمهور، وتنتقدها الصحافة بشدة كل سنة، ورغم ذلك يستمر التلفزيون بقنواته وبلِجانه في التعامل مع تلك الشركات”.
وتقدم شهادة البدوي، المبسوطة في كتاب من ثلاثمائة صفحة، معلومات عن مطبات واجهت تطور العمل المسرحي في المغرب، ومآل عدد من النقاشات والمناظرات والمبادرات المدنية التي كان المسرح موضوعها، عبر جميع حكومات ما بعد الاستقلال (1956)، وصولا إلى حكومة عبد الإله بنكيران، بعد حراك 20 فبراير 2011.
ويربط البدوي “قتل سوق الإنتاج الفني منذ الاستقلال” بـ”أسباب سياسية”؛ حيث “ضيقت السلطة على المنتجين المسرحيين كي لا تتطور مبادراتهم الإنتاجية وينتجوا للسينما ثم للتلفزيون، كما حصل في باقي الدول التي تعرف صناعات فنية”.
وتابع البدوي شارحا: “منتجو المسرح هم الذين أسسوا لإنتاج صناعة سينمائية وتلفزيونية بعد ذلك في معظم الدول التي تعرف صناعة فنية وثقافية وإعلامية، صناعة دعَّمها أيضا القرار السياسي في تلك الدول. والحال في المغرب أن الدولة هي المنتج، وبالتالي فمن رضي عنه المسؤولون عن إدارة السمعي البصري تفتح أمامه أبواب الاشتغال في الإذاعة والتلفزيون والسينما، وفي المقابل فإن من غضب عليه أولئك المسؤولون تقفل الأبواب في وجهه، ويكون مصير شركة إنتاجه الإفلاس ومصير منتجه الفني البوار”.
وحول السياسة الثقافية الرسمية، قال البدوي إن هدفها منذ الاستقلال كان “التضييق على الإنتاج المسرحي وعلى عروض الفرق الحرة، حتى تحجِّم المسرح الذي كان ينتقدها، وكان يقدم مضامين تعكس واقع وتطلعات الجماهير المغربية آنذاك”؛ وهو “تضييق نتج عنه تفكك معظم الفرق المسرحية الحرة وتساقطها، وامتلاك الدولة سوق الإنتاج المسرحي من خلال سياسة الدعم التي جاءت بها وزارة ثقافةِ حكومة التناوب”.
وفي متم شهادته، دعا الفقيد عبد القادر البدوي الشباب إلى قراءة تاريخ المغرب جيدا، وعدم الاكتفاء باستهلاك المعلومة، بل العمل على تحليلها، والإبحار في التاريخ والبحث العلمي، حتى يتمكنوا من “إعادة قراءة تاريخهم جيدا، ويثمّنوه، حتى لا يفرّطوا في المكتسبات التي حققها أجدادهم لهذا الوطن، لأن أمة بدون جذور من السهل أن تتهاوى”.