مفاجآت عديدة تلك التي كشفت عنها نتائج صناديق الاقتراع في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية، لعل أبرزها كانت نتائج تحالف “معا” التي اعتبرها المحللون “صفعة” على وجه ماكرون، الذي لم يحتفظ ائتلافه سوى بـ245 مقعدا من أصل 577 في الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي)، فاقدا بذلك الأغلبية المطلقة المتمثلة في 289 مقعدا.
وشهد التصويت، الذي بصمته نسبة غياب وامتناع فاقت الـ50 في المائة، مفاجآت من العيار الثقيل، فجرها حصول تقدم غير مسبوق لليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان على 89 نائبا؛ وهو ما اعتبره حزب “التجمع الوطني اليميني” على لسان جوردان بارديلا، رئيسه بالوكالة، “تسونامي”، قائلا في تصريح لقناة “تي إف1″، أول أمس الأحد، إنها “موجة زرقاء تجتاح أنحاء فرنسا”.
هذا بينما أعاد ائتلاف اليسار بقيادة أقصى اليسار المتمثل في جان لوك ميلانشون الحياة والتنافس إلى الساحة التشريعية الفرنسية بنيْله 131 مقعدا نيابيا. في حين أفادت وكالة الأنباء الفرنسية أن الحزب اليميني التقليدي، المسمى “الجمهوريون”، صمد ونال 61 نائبا، ويمكن أن يؤدي دور الحكم؛ وقد مد المعسكر الرئاسي اليد له اعتبارا من مساء الأحد، بمجرد ظهور أولى نتائج الاقتراع.
وحسب تحليل نشرته وكالة “فرانس برس”، يقف تحالف ماكرون أمام خياريْن، بشكل عملي؛ إما أن يبرم اتفاقا مع أحزاب أخرى على غرار الاتفاقات الحكومية في ألمانيا، أو أن يتفاوض على كل نص تشريعي يريد تمريره؛ لكن “كلما كان عدد النواب الناقصين لبلوغ الأغلبية أكبر كلما كانت المسألة أكثر صعوبة”؛ وهو ما يضع البرلمان في قلب اللعبة السياسية بفرنسا، في سابقة تبصم تاريخ “الجمهورية الخامسة”.
وفي أعقاب نتائج تشريعيات 19 يونيو الجاري، تتحدث بعض المصادر الإعلامية الفرنسية عن “تعديل وزاري مرتقب” قد يطيح بالحكومة التي تشكلت في 20 ماي الماضي برئاسة إليزابيث بورن، أو على الأقل قد تشهد “تعديلا بسبب هزيمة ثلاثة من أعضائها في الانتخابات”.
نتائج استثنائية
تعليقا على نتائج “تشريعيات فرنسا”، قال عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، إن هذه النتائج تعد “استثنائية في تاريخ الجمهورية الفرنسية”، بالنظر إلى مؤشرات عديدة؛ أبرزها حصول حزب اليمين المتطرف بقيادة لوبان على مقاعد “تسمح له بتشكيل كتلة برلمانية”، فضلا عن فقدان رئيس البرلمان السابق لمقعده ليفشل في الحفاظ عليه.
وكان لافتا، حسب بوصوف، “حضور الشباب بقوة ودخولهم إلى قبة البرلمان الفرنسي تحت لواء حزبيْ ميلانشون ولوبان”.
وسجل الأمين العام لمجلس الجالية، الذي سبق أن شغل عام 1993 منصب رئيس جمعية مسجد ستراسبورغ، في تصريح خص به هسبريس، “بروز الصوت المُسلم المساهم بشكل كبير في دعم تحالف ميلانشون، بينما كان المُمتنعون عن التصويت يرسلون رسالة قوية مفادها أن صوتهم مسموع”، متوقعا أن تواجه الرئيس ماكرون في ولايته الثانية صعوبات جمة في ظل “تدبير جد معقد، باعتباره رئيس أقلية؛ وهو ما يجعل من الوضع غير قابلٍ للحكم ingouvernable “.
مؤشرات مقلقة
وفي معرض حديثه مع هسبريس، اعتبر بوصوف أن صعود اليمين المتطرف هو “مؤشر جد مقلق”، قبل أن يستدرك بالقول إن “اليمين المتطرف الفرنسي قد يغير خطابه بعد دخوله إلى البرلمان، بعدما كان في الولايات السابقة منتقدا بشراسة من خارجه”، داعيا بالمقابل إلى ضرورة مزيد من الاهتمام من الجاليات المسلمة بالشأن العام في فرنسا، باعتباره “ليس ترفا بل من أوجب الواجبات”، على حد تعبيره.
واستطرد المؤرخ المغربي، الذي قاد لجنة التكوين في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) قبل أن يتم انتخابه نائبا لرئيس المجلس في عام 2005، بالحديث عن أن أصوات كتلة المهاجرين عموما قد “أنقذت شرف فرنسا سواء في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أو التشريعية، ليصبحوا من حُماة الجمهورية ويحققوا ترجيح الكفة”، قاطعين الطريق أمام مارين لوبان لتحقق حلم الرئاسة، في حين دعموا ميلانشون ليصير “قوة سياسية ذات وزن في المشهد”.
وتابع الخبير المغربي في شؤون الجاليات – بحكم عمله خبيرا لدى المفوضية الأوروبية ضمن برنامج «روح من أجل أوروبا» بين عامي 1997 و2003 – قائلا إن “الجاليات أبانت عن أنها صمام أمان مبادئ الجمهورية الفرنسية، دفاعا منها عن فرنسا الأنوار والمساواة والإخاء والحرية”.
علاقات الرباط وباريس لن تتأثر
بوصوف خلص، في حديثه مع هسبريس، إلى التأكيد على أن مخرجات الانتخابات البرلمانية لن تؤثر في علاقات الرباط وباريس على جميع الأصعدة، منوها بأن “المملكة المغربية قادرة على خلق التوازنات باعتبارها بلدا بدبلوماسية عريقة ومرنة”، خالصا إلى تنبيه النخبة المغربية من خلال اعتبار نتائج تشريعيات فرنسا “فرصة للتفكير في الانتخابات الأوروبية التي ستجرى قريبا، واحتمال تأثير اليمين المتطرف في سياسات القارة العجوز تجاه المسلمين والمهاجرين”.
يشار إلى أن ولاية النواب الفرنسيين الجدد، التي تستمر خمس سنوات، تبدأ رسميا غدا الأربعاء 22 يونيو الجاري؛ إذ يتعين عليهم التقاط صور رسمية والانضمام إلى الكتل البرلمانية التي يُفترض أن تتشكل قبل الـ28 من الشهر ذاته، وهو موعد افتتاح الهيئة التشريعية الـ16 في جلسة عامة.