أسابيع قليلة تفصلنا على نهاية السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية الحادية عشرة، وسط انتقاد نواب المعارضة للحكومة بسبب ضعف الحصيلة وجمود التواصل وتجاهل مقترحاتها من جهة، وتفاؤل الأغلبية من جهة أخرى بحصيلة تعتبرها إنجازا بالنظر للظرفية الصعبة التي يعيشها المغرب.
“الحصيلة ضعيفة مقارنة مع الوعود التي قدمتها الحكومة في برنامجها، دون الرجوع إلى الوعود الانتخابية”، يقول رشيد حموني، رئيس فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، موردا أن قانون المالية والبرنامج الحكومي طموحان ونصا على وعود متفائلة.
وأضاف حموني، في تصريح لهسبريس، أن “برنامج الحكومة لا يمكن إلا أن نكون معه، خاصة بالنسبة لشعار الدولة الاجتماعية الذي كان مطلبا منذ سنوات، وأيضا بخصوص تصور الحكومة حول تشجيع الاستثمار، والتصور حول التشغيل، لكننا نبهنا إلى أن هذه المشاريع تتطلب إمكانيات مالية هائلة في ظل موارد المغرب المحدودة”.
بالنسبة للقيادي التقدمي، فالمواطن المغربي وبعد مرور سنة من عمر الحكومة مازال يلج إلى المستشفيات نفسها والخدمات المتواضعة ذاتها، وكذلك الأمر بالنسبة للتشغيل، موردا: “إذا تم استثناء برنامج أوراش الذي تم الاشتغال عليه من قبل في إطار الإنعاش الوطني، فليس هناك أي برامج حقيقية للتشغيل”.
وأوضح حموني أن “المغربي وجد نفسه منذ انطلاق الولاية أمام موجة من الغلاء حتى قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، دون أن تنزل الحكومة أي إجراء لحماية القدرة الشرائية، ناهيك عن غياب أعضاء الحكومة تواصليا لإقناع المواطنين بما يجري في الساحة السياسية وتواريهم عن الأنظار في برامج القنوات العمومية”.
وانتقد المتحدث ضعف تفاعل الحكومة مع مقترحات القوانين، قائلا في هذا السياق: “الحصيلة صفر مقترح قانون، كما أن مشاريع القوانين باهتة ولا أثر مباشرا لها”.
في المقابل، قال محمد غياث، رئيس الفريق التجمعي، إن مجلس النواب نجح خلال السنة التشريعية الأولى في تسجيل حصيلة نوعية وغنية، همت مجالات التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية، والدبلوماسية البرلمانية، وكذا الانفتاح على محيطه، مضيفا أن “هاته السنة التشريعية الأولى تميزت بخصوصية سياقها الوطني والعالمي الذي تأثر بتداعيات جائحة فيروس كورونا وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية ومخلفات جفاف شديد نادر الحدوث”.
ومن جهة أخرى، يضيف المتحدث، “تميزت السنة التشريعية الأولى بدينامية متعددة المظاهر وسلة تشريعية قوية من حيث طبيعة القوانين المصادق عليها، ابتداء بمسار التنصيب البرلماني للحكومة والموافقة على برنامجها، مرورا بالتجاوب الإيجابي مع الهندسة الحكومية الجديدة، واستكمال انتخاب أجهزة مجلس النواب، وعلى رأسهم رئيس المجلس رشيد الطالبي العلمي الذي اعطى دينامية جديدة للمجلس بالنظر إلى خبرته البرلمانية والحكومية، مرورا كذلك بالمصادقة على القانون المالي وبكل مظاهر تعزيز التعاون بين المجلس والسلطة التنفيذية وباقي المؤسسات الدستورية في إطار الاحترام التام لفصل السلط وتعاونها الوثيق والمثمر”.
وأفاد غياث بأن “علاقات التعاون بين الحكومة والبرلمان أثمرت إنتاجا تشريعا ورقابيا مهما، تميز بتنزيل التوجيهات الملكية التي أكد عليها الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة افتتاح هذه الدورة الخريفية، لا سيما في مجال الأمن الطاقي الذي توج بمصادقة المجلس على قانون الإنتاج الذاتي للطاقة، بالإضافة إلى الشروع في تنزيل ما تضمنه البرنامج الحكومي من مشاريع قوانين”.
وتابع بأن “هذه السنة التشريعية الأولى من عمر الولاية الحالية رغم أجندتها الدستورية المكثفة والسياق الخاص الذي صاحبها، فقد تميزت بتنزيل إصلاحات تشريعية مهمة، بعضها مرتبط باستكمال كتابة الدستور كما هو الشأن بالنسبة للقانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية، وبعضها يحمل رهانات اجتماعية كبيرة كما هو الشأن بالنسبة للمشروعين المتعلقين بمجلس المنافسة وحرية الأسعار والمنافسة، ومشروع القانون الخاص بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، ومشروع قانون يتعلق بالمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ومشروع قانون التنظيم القضائي، ومشروع القانون المتعلق بإحداث السجل الوطني الفلاحي”.
أما على مستوى الوظيفة الرقابية، يواصل المتحدث، “وبغض النظر عن الحصيلة الكمية التي ستفوق بلا شك حصيلة السنوات العادية من حيث عدد الأسئلة ولجان المهام الاستطلاعية وجلسات الاستماع، إلا أن ما يهم هو جانبها الكيفي؛ فقد كان الحرص خلال هاته السنة على أن يكون المجلس ممثلا حقيقيا للشعب ومدافعا عن همومه ومطالبه وقضاياه المعيشية، وفضاء للترافع عن جميع القضايا العاجلة والملحة، حيث حرص الجميع، أغلبية ومعارضة، على إثارة كل القضايا المجتمعية، والعمل على تحويلها إلى نشاط برلماني وأن تناقش داخل المؤسسة البرلمانية بكل جرأة لكن في الوقت نفسه بعيدا عن لغة الشعبوية”.
وأضاف: “شكلت حصيلة الدبلوماسية البرلمانية خلال السنة التشريعية الأولى نقطة قوة حقيقية، حيث لم تكتف الديبلوماسية البرلمانية بالدور الثانوي، بل تميزت بلعب أدوار مهمة ومكملة للديبلوماسية الرسمية من خلال مشاركة الدبلوماسية البرلمانية المغربية في مختلف المجالس على المستوى الدولي والمشاركة في اللقاءات الثنائية مع البرلمانيين الأجانب لإعطاء صورة جيدة عن المغرب والتعريف بمواقفها المبدئية، لا سيما في قضية وحدتنا الترابية والتعامل مع المهاجرين ومحاربة الإرهاب، وغيرها من المواضيع ذات الطابع الاستراتيجي”.
وبالحديث دائما عن الحصيلة التشريعية، أشار غياث إلى “التوافق الأولي على مشروع النظام الداخلي لمجلس النواب في انتظار المصادقة عليه في الجلسة العامة”، مؤكدا أن “المشروع الجديد يتميز بمستجدات مهمة ستعمل على الرفع من أداء المؤسسة وتحسين صورتها من خلال مستجدات تجريد كل نائب أو نائبة تغيب سنة تشريعية كاملة عن حضور أشغال المجلس دون عذر مقبول من عضويته بالمجلس، بالإضافة إلى المقتضيات التي تروم الرفع من جودة عمل المهام الاستطلاعية وعقلنتها، وكذلك ما يتعلق بالتقييم الذاتي لأداء المجلس من خلال لجنة مؤقتة، وتحسين وظيفة تقييم السياسات العمومية والجلسات الشهرية”.
ومن جانب آخر، يسترسل غياث، “حرص فريق التجمع الوطني للأحرار على أن تكون مبادراته التشريعية والرقابية والتقييمية بتنسيق مع فرق التحالف البرلماني استنادا إلى ميثاق الأغلبية، موردا أن “الانسجام الذي يعرفه التحالف الحكومي قد تجسد أيضا بانسجام وتنسيق دائمين بين الفرق البرلمانية، وهو ما كان يساعد على إذابة كل أوجه الخلافات التي كانت تضيع على المغاربة زمنا تنمويا مهما في ظل الحكومات السابقة”.
من جانبها، ذكرت مريم بليل، باحثة في الشؤون البرلمانية، أن “السنة الأولى من الولاية التشريعية عادة ما تكون لوضع المعالم الأساسية للعمل البرلماني، لذا يمكن غض النظر عن الحصيلة التشريعية والرقابية في هذه المرحلة”.
في المقابل، سجلت بليل بأسف تأخر تشريع النظام الداخلي لمجلس النواب الذي بدأ النقاش فيه قبل بداية دورة أبريل.
وقالت إن “تأخر تشريع النظام الداخلي للغرفة الأولى أبرزُ تقييمٍ يمكن قياس حصيلة عمل البرلمان من خلاله”، مضيفة أنه “يجر معه عددا من الإشكالات الأخرى، كتعثر الحسم في إشكالية نقل أشغال البرلمان، وانفتاح المؤسسة”.
ومن جهة أخرى، تضيف الباحثة ذاتها، “يؤثر ذلك على عمل عدد من المجموعات الموضوعاتية، مثل المجموعة الموضوعاتية للمساواة والمناصفة، التي يؤمل أن تصبح لجنة دائمة”.