توثيق لجوانب من ذاكرة المقاومة والعيش والصراع “للكاريان سونطرال” بالدار البيضاء، يحضر في كتاب للباحث نجيب تقي، يمكن الاطلاع عليه في نسخة رقمية.
بعنوان “جوانب من ذاكرة كريان سنطرال – الحي المحمدي بالدار البيضاء في القرن العشرين محاولة في التوثيق”، سبق أن صدر هذا العمل في إطار برنامج لجبر الضرر الجماعي، بدعم من المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
ويهتم الكتاب في مقاطعه الثلاثة بالكاريان سنطرال، أولا من حيث التوطين الجغرافي للمكان، “عبر تركيب دقيق لتاريخ الحي الصناعي بالدار البيضاء وبروز وتطور التجمعات السكانية العمالية وسطه وبجواره”، وهو جانب يحضر فيه “استعراض لكل الوثائق المتوفرة من المرجعية الخاصة بملكية الأراضي، للتصاميم المتعلقة بالتهيئة العامة للمدينة وللحي، للقوانين المنظمة للسكن، وخصوصا للأحياء الصفيحية، مرورا بالأصول الاجتماعية للساكنة، وما صاحب نزوحها وتكتلها ومعاناتها”.
ويهتم الجزء الثاني بـ”العمل الوطني في كريان سنطرال”، الذي من بين محطاته المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأجنبي.
فيما خصص ثالث المقاطع لـ”معتقل درب مولاي الشريف” في “محاولة للجمع بين تاريخ المكان ووظائفه الأمنية، في إطار الصراعات التي عرفها المغرب المستقل حول بناء الدولة الوطنية، وذاكرة الذين غُيّبوا وعُذبوا في هذا الفضاء المغلق، ولم يكونوا كلهم من أبناء وبنات الحي المحمدي، بل من مختلف أنحاء المغرب”.
يحضر في هذا الجزء الثالث، وفق مقدم الكتاب الباحث المصطفى بوعزيز، نوع من “الاستنكار الضمني لدى الكاتب، محوره ربما السؤال التالي: لماذا زُرع في تراب الحي، وهو القلب النابض للوطنية المغربية إبان مرحلة مقاومة الاستعمار، معتقل اختزن كل أصناف التعذيب والتنكيل والمس بالكرامة الإنسانية؟ كأن الوطن كله معتقل في بقعة من الحي، بعد أن كان الحي بفرقه الرياضية ومجموعاته المسرحية والفنية ومنظماته المقاومة بالسلاح… الفضاء المحتضن للوطن بل المتماهي معه… ربما في تحويل فضاء الاعتقال هذا… إلى فضاء للتذكار… إلى فضاء مفتوح يسائل البعد الهمجي في الإنسان، ليحاصره، ليقزمه، حتى لا يهيمن من جديد”.
وكتب المصطفى بوعزيز أن المؤرخ نجيب تقي من صنف المؤرخين الذين “يظلون على عطشهم للمادة التاريخية الخام مهما تراكمت لديهم المادة المصدرية. والخلاصة التي يمكن لعملهم أن يبلورها ليست في نظرهم إلا مظهرا للحقيقة التاريخية التي تحتاج إلى تنقيب أكبر وتركيب أدق”.
ويرى الباحث أن ما يطلع عليه قارئ هذا الكتاب “موسوعة لذاكرة مكان، ونشيد لملحمة ساكنة”؛ فـ”التوثيق في هذا المؤلف كثيف، كثافة الغابة التي لا يسبر أغوارها إلا المستكشف المهوس بالمعرفة، والذاكرة في دفتي هذا الكتاب تتدفق بدقائق تفاصيلها لدرجة التخمة”.
ويرى بوعزيز أن ظرفية نشر الكتاب هي التقاء سيرورتين؛ أولها “سيرورة نضج المدرسة التاريخية المغربية، والأستاذ نجيب تقي أحد أعضائها. فقد راكمت هذه المدرسة منذ ما يزيد على نصف قرن خبرة منهجية في مجال التوثيق والتحقيق، والمونوغرافية بشكل خاص”.
وثانيها دخول المغرب “سيرورة توسيع مجال التمثلات، وبالتالي السماح التدريجي لذاكرات مقصية” للحضور إلى جانب “الذاكرة الرسمية”، و”فتح ورش إعادة هيكلة الذاكرة الجماعية للمغاربة”.