تلوح في الأفق أزمة هجرة بات المسؤولون الأوروبيون يحذرون منها ويحاولون الاستعداد لها، وهي الأزمة التي تشير التوقعات إلى أن سببها مرتبط بأزمة الغذاء الناتجة عن ارتفاع الأسعار.
والمغرب من أكثر البلدان المعنية بأزمة الهجرة المقبلة، بحسب ما يؤكده المختصون، إذ له وضعية خاصة باعتباره بلد استقبال وعبور، خاصة بسبب موقعه في القارة الإفريقية، المعني الأول بأزمة الغذاء، وقربه من أوروبا.
تحذير أوروبي
قالت مفوضة الشؤون الداخلية للاتحاد الأوروبي، إيلفا يوهانسون، في أعقاب اجتماع غير رسمي لوزراء الداخلية لدول الاتحاد الأوروبي في براغ، مستهل الأسبوع الجاري، إن “الناس قد لا يشعرون بأمان في بلدانهم، وقد يحاولون مغادرتها”.
وأوضحت المسؤولة الأوروبية أن ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية قد يتسبب في عدم الاستقرار في دول أخرى، ويؤدي إلى موجة الإرهاب والجريمة المنظمة.
وأضافت: “لا يستطيع أحد التنبؤ بأبعاد تلك الظاهرة، لكننا نعمل على اتجاهين، وقد دعونا حكومات الدول الأعضاء لوضع خطط في حال تدفق المزيد من الأشخاص على أراضي الاتحاد الأوروبي”، مشددة على ضرورة العمل مع الشركاء بهذا الخصوص.
وفي هذا الإطار، قال الموساوي العجلاوي، أستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية، إن تقارير الأمم المتحدة تؤكد أن انعكاسات الأزمة الأوكرانية الروسية ستتضرر منها بالخصوص الدول الإفريقية، نتيجة غلاء الأسعار، مما سيؤدي إلى أزمة غذاء بالمنطقة.
وأضاف العجلاوي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “الازمات الغذائية تؤجج الصراعات الاثنية والإقليمية وتزيد من ظهور الجماعات الجهادية والجريمة العابرة للحدود”، مشيرا إلى أن الأزمة الحالية هي “مصدر قلق بالنسبة لأوروبا بالخصوص، وحوض البحر الأبيض المتوسط”.
وأبرز المتحدث أن “ما يزيد الأمر صعوبة وتعقيدا هو كون الأزمات في البحر الأبيض المتوسط أصبحت ورقة في الصراع الأوكراني الروسي”، مفيدا بأنه في ظل هذا الوضع سارعت المفوضية الأوروبية إلى الحوار مع المغرب والجزائر وتونس للنظر فيما سيأتي مستقبلا.
عبء أمني
يرى العجلاوي أن المغرب له وضع خاص يرتبط بالأساس بوضعية سبتة ومليلية، وذلك يشكل عبئا أمنيا عليه بشكل كبير بسبب الوضع الاستعماري من قبل الإسبان الذين يرون أنهما تراب أوروبي في عمق مغربي.
وأكد بهذا الخصوص أن “قضايا الهجرة لا يمكن أن تحل أمنيا، بل استراتيجيا وعن طريق حوار بين المغرب وإسبانيا والاتحاد الأوروبي حول الحدود الجديدة ووضع سبتة ومليلية”، موردا أن “المغرب يجب أن يُفهم أوروبا أن سبتة ومليلية ليستا جزءا من التراب الإسباني”.
من جانبه، قال محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، إن كل المؤشرات تؤكد أن أزمة الهجرة ستتفاقم أكثر وتتعمق، معتبرا أن “الأزمة ستأخذ طابعا مأساويا في بعض الحالات”.
وقال بنحمو، ضمن تصريح لهسبريس، إن “تداعيات جائحة كوفيد الاقتصادية والاجتماعية بدأت تظهر، وانضافت إلى ذلك الحرب في أوكرانيا وما لها من تداعيات، خاصة الأزمات الغذائية الخطيرة”، مضيفا: “إننا أمام مرحلة ستزيد من حجم تدفقات المهاجرين غير النظاميين وستدفع بعشرات الآلاف من المهاجرين من الدول الفقيرة، خاصة من جنوب آسيا أو القارة الإفريقية التي ستعرف تدفقات نحو الشمال”.
وشدد المتحدث على أنه “لم يتم الإعداد بالمقاربة الجيدة لمواجهة ظاهرة الهجرة التي يجب اعتبارها معطى قارا وأساسيا ولا يمكن إيقافها بالمقاربة الأمنية أو بالسياسات الرادعة للهجرة”، معتبرا أن “الحل يكمن في دول المصدر التي يجب أن تعمل على تحقيق استقرارها أمنيا واقتصاديا وغذائيا، وتحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، والعمل المشترك مع دول العبور في تدبير ظاهرة الهجرة”.
وتابع بنحمو بأن “المغرب هو بلد عبور واستقرار لا يمكنه أن يلعب دور الدركي وتحمل عبء الهجرة غير النظامية لوحده، ولا يجب أن يلعب دورا ينافي مقاربته الخاصة التي تنبني أساسا على الجانب الإنساني وليس الأمني”.
ولفت إلى أن “أوروبا في حاجة ماسة للهجرة لكنها تريد هجرة انتقائية وليست عشوائية”: معلقا بأن “هذا من حقها، لكن لا يمكن أن تتحول دول الجوار إلى بلدان يتراكم فيها المهاجرون، وهو ما يهدد الأمن الاجتماعي والسيكولوجي للساكنة”.
وسبق أن أجرت المندوبية السامية للتخطيط، العام الماضي، بحثا وطنيا حول الهجرة القسرية كشف أن أكثر من ثلث المهاجرين بالمغرب (39.1 في المائة) غادروا بلدهم الأصلي لأسباب تتعلق أساسا بالحرب وانعدام الأمن والاضطهاد، 37.9 في المائة بين الرجال و41 في المائة بين النساء، ويأتي البحث عن عمل أو تحسين ظروف المعيشة في المرتبة الثانية بنسبة 36.7 في المائة (39.9 في المائة لدى الرجال و32.1 في المائة لدى النساء).