موازاة مع موجة تضخم غير مسبوقة تبصم بقوة المؤشرات الاقتصادية العالمية والوطنية، وارتفاع مهول لمعدل التضخم لم يصل إلى مستوياته الحالية منذ سنة 1995 بالمغرب، تشهد سوق العملات العالمية وأسعارها تقلبات تنبئ بتحولات اقتصادية وتجارية هيكلية لن تمر دون تداعيات.
وكشفت معطيات حول أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم أمس الثلاثاء، نشرها بنك المغرب، استمرار تحسن العملة الوطنية (الدرهم) مقابل اليورو، مع انخفاض أمام الدولار الأمريكي، وسط سياق عالمي يتسم بما وصفه اقتصاديون بـ”السقوط العظيم للعملة الأوروبية الموحدة”؛ إذ انخفض اليورو إلى أدنى مستوياته أمام الدولار الأمريكي بنسبة 1.2 في المائة لأول مرة منذ عشرين سنة، متراجعا بأكثر من 9 في المائة مقابل الدولار في سنة 2022.
وبلغت قيمة الدولار الأمريكي الواحد ما سعره 9.62 درهما في الشراء، و11.19 درهما في عمليات البيع، حسب نشرة بنك المغرب، بينما أفادت معطيات وكالة “بلومبرغ” الاقتصادية بأن نسبة التغيّر في السعر بين العملتيْن قد بلغت 0.35+ في المائة مع ارتفاع في العائد السنوي ناهز 11 في المائة، وفق تحديث اطلعت عليه جريدة هسبريس عند الساعة الرابعة مساء بتوقيت غرينتش.
ويرتبط المغرب اقتصاديا من خلال سُلة عملته الوطنية بـ60 في المائة من اليورو مقابل 40 في المائة من الدولار، وهو ما قد يرهن صمود المبادلات التجارية المغربية، خاصة الواردات التي عرفت ارتفاعا في نسبة مداخيل الضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد إلى 32 في المائة عند متم يونيو 2022، حسب معطيات رسمية صادرة ضمن نشرة شهرية للخزينة العامة للمملكة اطلعت عليها هسبريس.
كما أن ارتفاع الدولار قد يسهم في ارتفاع أسعار المواد المستوردة من الخارج وانعكاسات صعبة على القدرة الشرائية للمغاربة، المتدهورة مسبقا بفعل توالي الأزمات التي أثقلت كاهلهم وأرهقت جيوبهم.
في هذا الصدد، يرى الطيب أعيس، محلل مالي مغربي، أن ارتفاع الدولار مقابل باقي العملات العالمية ليس سوى “نتيجة حتمية لانهيار عملة اليورو، جراء عقوبات اقتصادية أوروبية ضد الغزو الروسي لأوكرانيا”، مؤكداً أن مسلسل الانهيار لن يتوقف عند التغير الراهن، وهو ما يسائل “قدرة الاقتصاد الأوروبي على الصمود في وجه ارتداد آثار العقوبات ونقص إمدادات الغاز الروسي كمحرك أساسي لعدد من الدول القوية، مثل ألمانيا التي تعتمد على 40 في المائة من الغاز الروسي”.
واعتبر أعيس، في تصريح لهسبريس، أن العقوبات قد أتت بأثر عكسي ضد أوروبا، التي قد تعاني خلال فصلي الخريف والشتاء القادميْن من آثار قطع روسيا لإمداداتها من الغاز، وهو ما يعني في نظر المتحدث ذاته، توجّه أوروبا نحو اقتناء الغاز الأمريكي بأثمنة مرتفعة وتعاملات بالدولار المستمر في صعوده.
وعن السياق المحلي، لم يقلل الخبير الاقتصادي من قيمة “الأثر السلبي” لصعود الدولار وانهيار اليورو، لافتاً إلى أن “نسبة التضخم المستورد بالمغرب سترتفع بشكل كبير في ظل شراء المملكة لحاجياتها من المواد الأولية والمصنعة بالدولار”، ذاكراً في هذا الصدد إمكانية ارتفاع أسعار “البترول والغاز والزيوت والقمح ومواد أولية أخرى”، ما سيؤثر بشكل سلبي على أداء وتوازنات الاقتصاد الوطني.
وأبرز أعيس أن الضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد، التي يؤديها المستهلك النهائي، “كان من الطبيعي أن تشهد ارتفاعا، نظرا للزيادة في قيمة وأثمان المواد التي يستوردها المغرب رغم الحفاظ على الكميات نفسها”، لافتا إلى أن “الزيادات ستستمر إلى نهاية السنة الجارية وبداية 2023”.
ونبه الخبير المالي والاقتصادي إلى تأثر بعض المواد الاستهلاكية بشكل مباشر، ما يعني ارتفاع الأسعار بالنسبة للمواطن، بينما المواد المُدعَّمة من طرف الدولة لن تتأثر أثمانها بشكل مباشر، لكن الزيادات العالمية المتوالية ستجعلها تثقل تكاليف صندوق المقاصة، وبالتالي الميزانية العامة، مشيراً إلى أن المواطن سيتضرر في هذه الحالة من خلال “ضعف قدرة الحكومة على تنفيذ المشاريع الاجتماعية وتقليصها”.
ورغم تغيرات السوق العالمية وتقلبات الأسعار والعملات، يخلص المتحدث ذاته إلى أن المغرب “لن يلجأ إلى مراجعة نِسَب ارتباط عملته الدرهم بالعملات الأجنبية الأساسية”، منوها بقرار بنك المغرب إبقاء سعر الفائدة في مستواه الحالي لتجنب “سيناريو الركود التضخمي”، قبل أن يثير انتباه المسؤولين عن الشأن الاقتصادي بالمغرب إلى “ضرورة سرعة التحرك قبل وصول تداعيات إضعاف الاقتصاد الأوروبي إلى المملكة بحكم الارتباط الكبير بينهما”.