لعلنا نحتاج أكثر من الصرخة المكلومة التي أطلقها المحامي المعروف محمد جمال معتوق، ودوت في أرجاء مواقع التواصل الاجتماعي، لندرك بالفعل أن خطرا كبيرا يحدق بالرجولة في المغرب.
ويبدو أن الرجولة باتت مجرد اسم وشعار مُستهلَك يتردد على الألسن، من قبيل “الرجولة منذ الطفولة”؛ بينما واقع الحال لدى العديد من شبابنا ومراهقينا لا يدل على رجولة ولا نخوة ولا شهامة إلا من رحم ربك.
والذي يبدو أن “المريوْل” أو “المْريُول” (باختلاف الألسنة) بات مشهدا مألوفا يؤثث شوارع وأحياء وفضاءات البلاد؛ فهذه الفئة من الشباب وصغار السن صاروا أكثر عددا وأقوى حضورا من “الرجالة” في المجتمع المغربي.
وأصل كلمة “المْريول” ـ لمن لم يسمع بهذا “الوصف” من قبل ـ على ما يبدو تركي، ومعناها زير النساء أو الشخص الخليع الفاجر المخادع، لتتطور إلى معنى آخر هو الشخص “المتحرر” الذي لا يلقي بالا إلى الآخرين، يرتدي وفق هواه ويتكلم حسب مزاجه..
ولعل أكثر تعريف للشخص “المريول” هو ما لخصه بعضهم في كونه من “يصبغ شعره بالأصفر، ويفتح حساب فيسبوك باسم غريب مثل: “نميلو مانطيحوش”، أو “شيخ نانو مسطي عدیانو”، ويكون مدمنا على “حلوى الإكسطازي”، ثم يفتح حسابا في “تيك توك”.
وإذا وصفنا شابا أو مراهقا بأنه “مريول” فهذا يعني أن بينه وبين الرجولة “سنوات ضوئية”؛ فالصفتان تتقابلان ولا تلتقيان، سواء في الشكل أو حتى في الجوهر أيضا.
فكيف لشاب في مقتبل العمر يصبغ شعره بالأصفر، أو يسدل شعيرات رأسه على جبينه مثل فتاة مراهقة، أو يغرس سماعات هاتفه المحمول طيلة النهار في أذنيه لسماع أغاني الراي من قبيل “أنا لْمَرْيُولْ شَرَّابْ لَالْكُولْ”.. (كيف له) أن يكون رجلا حقيقيا؟.
وأنَّى لشاب في عمر الزهور، جسده جسد بغل وعقله عقل عصفور (مع الاحترام للعصفور الذي يبدو أنه أكثر ذكاء من “قبيلة المريولين” بدليل أنه يبدع أعشاشا في غاية التعقيد الهندسي)، يُغَيب إدراكه بأقراص الهلوسة، ويمضي سحابة يومه متكئا على “جدران الحومة” التي لو نطقت لاشتكت، (أنى له) أن يكون رجلا حقيقيا؟
ثم كيف لشاب أو مراهق يبدأ سنوات حياته “رطبا” (وفق وصف معتوق وغيره أيضا ممن يلاحظون تغيرات المجتمع المغربي)، ينأى عن “الحروشية” ومهام “الذكور”، يبحث عن الظل أكثر من الشمس، وعن السهل أكثر من الصعب، وعن الضحك واللهو أكثر من الجد و”المعقول”، (كيف له) أن يكون رجلا حقيقيا؟..
وهكذا، بتنا نرى شابا ما زالت زهرة حياته تتفتح، بشكل لا يشبه شكل الرجال، ولباس لا يشبه لباس الرجال، يضع أقراطا في أذنيه وأنفه وتحت لسانه، وربما في مناطق أخرى، حتى صار من العسير تمييزه عن الفتاة التي بدورها لم تعد أنثى (وهذا موضوع آخر)…
ونرى شابا آخر بسروال ممزق يُعَري أكثر مما يغطي، ولسان “ممسوخ” لا يكاد يُبِين، فلا هو يتحدث بالعربية ولا هو يتقن الفرنسية، ولا هو يحسن الإنجليزية، بل مجرد خليط من هذا وذاك يفرز “لغة غريبة” تنفر الأسماع وتجرح الأذواق، حتى أن كثيرين باتوا يُقْسمون بـ”الرجولة” أو يجعلونها شعارا للوفاء بالوعد، وهم أبعد عنها بعد السماء عن الأرض، فتجد أحدهم يقسم بقوله “بالرجولة قمت بكذا وكذا”…
قد يقول قائل “هذه حرية شخصية أو حرية فردية”، فلماذا تريدون أن تضيقوا على الشباب.. دعوهم يعيشون وقتهم وزمانهم. لكن!!
البلاد تحتاج رجالا ونساء.. والرجل هنا بالمعنى الذي يفيد الشهامة والشجاعة والإدراك والفطنة صار العثور عليه صعبا اليوم..
فهل نحوّل البلد كلها إلى “مريولين” و”رجال ممسوخين” لتفرحوا بحرياتكم؟.
The post “الرجل” و”المْريوْل” appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.