أثار “شريط صوتي” منسوب إلى قضاة حول “وجود تدخل في تدبير ملف قضائي معروض على هيئة قضائية يتابع فيه أحد الأشخاص في حالة اعتقال، وعبارات تمس بسمعة بعض أعضاء هيئة الدفاع”، هز الجسم القضائي بالمملكة المغربية منذ نهاية الأسبوع الماضي بعد تداوله على منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل الفوري، موجات من ردود الفعل المتعددة من الفاعلين المتدخلين في منظومة العدالة بالمغرب؛ إذ سارعت النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، بأمر من الوكيل العام للملك، إلى اتخاذ قرار فتح تحقيق في الموضوع.
ووجه الوكيل العام للملك تعليماته إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء “من أجل إجراء بحث يروم التحقق من حقيقة وظروف وخلفيات ما ورد بالشريط الصوتي من معطيات، والاستماع إلى كل من له علاقة بالموضوع، وإجراء جميع التحريات اللازمة”.
الواقعة التي أثارت استياء المحامين بالدار البيضاء بعدما تم وصف أصحاب البذلة السوداء بـ”النصّابة”، دخلت على خطها جمعية هيئات المحامين بالمغرب، عبر إصدار بلاغ، توصلت هسبريس بنسخة منه، أكدت فيه متابعتها لتطورات القضية “عن كثب”، في حين أكد رئيس الجمعية ربطه الاتصال بالرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة، اللذين أكدا “بكل وضوح أن ما تضمنه الشريط الصوتي لا يعبر إطلاقا عن رأي القضاة، لا أفرادا ولا مؤسسات، وأنه بمجرد علمهما بالتسجيل أمرا، كل فيما يخصه، بإجراء الأبحاث اللازمة بشأنه”.
وتصدّر ملف استقلالية القضاء وتخليق منظومة العدالة واجهة المطالب الملحة التي يرفعها منذ سنوات كل المتدخلين بالقطاع في المغرب، مع الحرص الملكي الشخصي خلال العقد الأخير على إيلاء هذا الورش عناية كبيرة، حيث لم تخلُ العديد من خُطب الملك من التأكيد على أهمية العمل على تخليق منظومة العدالة برمّتها.
نادي قضاة المغرب: التخليق من أولوياتنا
عدنان المتوفق، مسؤول الإعلام والتواصل بنادي قضاة المغرب، اعتبر أن تخليق العدالة يتصدر أولويات عمل وهموم الجمعية المهنية التي تجمع القضاة منذ تأسيسها صيف 2011، مشددا على أن التخليق يظل “من أبرز مبادئ تأسيس النادي في مادته الرابعة”، من خلال سعيه إلى “ضمان استقلالية سلطة القضاء، والدفاع عن حقوق وحريات المواطنين”.
واستعرض المسؤول ذاته، في تصريح لهسبريس، مجموعة من الإجراءات والقرارات التي سبق للنادي الاشتغال عليها، منها “برنامج محاكم بدون رشوة” الذي انطلق العمل به منذ 2012 مع خروج دورة المجلس الوطني بتوصية اعتماد “ميثاق أخلاقي” تم إقراره في مارس 2014، و”سلسلة ندوات وشراكات جمعت النادي بفعاليات جمعوية مثل ترانسبارنسي المغرب”.
وعلى المنوال ذاته، سار مصدر مسؤول سابقا بالنادي ذاته، في حديث مع هسبريس، قائلا إن “عملا كبيرا وجبّاراً قد بُذل في سبيل التأسيس لأخلاقيات المهنة القضائية بالمغرب بكل جرأة ومسؤولية، دفاعا عن الشفافية والاستقلالية التي يجب أن تتوفر في القضاة”، لافتا إلى أن “تخليق قطاع العدالة عبارة عن عمل يبدأ بالتحسيس والتأطير قبل أن يصل إلى التأديب، الذي يظل آخر الحلقات في مسلسل طويل ساهم فيه النادي بمجهودات كبيرة خلال العقد الماضي”.
“الأخلاق أساس المحاماة”
من جانبه، قال النقيب السابق بهيأة الرباط عبد الرحمان بنعمرو إن “الأخلاق مطلوبة مبدئيا في جميع المهن والهيآت، وبدونها يفسد كل شيء”، معتبرا أن حضور “الضمير المهني واجب لدى المحامين كما باقي مكونات الحقل القضائي”.
وأضاف بنعمرو، الذي شغل أيضا منصب نائب رئيس وعضو سابق بجمعية هيآت المحامين، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “التخليق يتمثل في إتقان العمل المهني والإخلاص في الإنابة عن الموكلين، عبر انتهاج الصدق معهم، ونسج علاقة احترام وتقدير متبادلين مع القضاة”؛ لأن المحاماة تظل، بحسب المتحدث ذاته، “جزء لا يتجزأ من منظومة القضاء، دون فقدان استقلالية عمل المحامي عن أي تأثير”.
ولفت “قيدوم المحامين المغاربة” إلى أن التخليق متضمن بوضوح في قانون مهنة المحاماة وفي الأنظمة الداخلية لهيئات “ذوي البذلة السوداء”، خالصا إلى أن من يخالف ذلك تكون “مسطرة التأديب في انتظاره، وقد تصل حد المتابعة الجنائية”، قبل أن يختم بتأكيد أن “تخليق العدالة يظل خاضعا لمنظومة متكاملة متداخلة فيما بين مكوناتها إيجابا وسلبا”.