دعا أحمد لحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط، الحكومة إلى نهج التواضع عبر اعتماد لغة الحقيقة وقبول النقاش للخروج من الأزمة والعمل بشفافية وتسريع الإصلاحات الهيكلية لتجاوز تداعيات الوضع الحالي المتسم بالجفاف والتضخم وتهديد الأمن الغذائي.
وقال لحليمي، في ندوة صحافية لتقديم التوقعات الاقتصادية لسنتي 2022 و2023، الخميس بالرباط، إن الحقيقة كيفما كانت لا يمكن إخفاؤها اليوم، وهو ما يستلزم استحضار مبادئ المثالية الأخلاقية (exemplarité morale) لدى الحاكمين والمحكومين على حد سواء.
وأفادت توقعات المندوبية السامية للتخطيط، التي قدمت في الندوة، بأن النمو الاقتصادي خلال السنة الجارية لن يتجاوز 1,3 في المائة بسبب تداعيات الجفاف وتداعيات الأوضاع الجيو-سياسية، فيما ينتظر أن يصل النمو إلى 3,7 في المائة السنة المقبلة.
وقدم لحليمي ضمن تحليله عددا من الإصلاحات التي يرى أنها ضرورية ومستعجلة لمواجهة التحديات المطروحة على المغرب حاليا، والمضي نحو تحقيق أهداف النموذج التنموي الجديد وأهداف التنمية المستدامة في أفق 2030.
إصلاح الفلاحة
أكد لحليمي على المكانة المهمة للفلاحة في الاقتصاد الوطني وتأثيرها على معدل النمو، وهو ما يستدعي، بحسبه، اعتماد إصلاح يعطي أهمية للفلاح الصغير، حيث قال إن النمو يصل إلى 4 في المائة حين يكون الموسم الفلاحي جيداً وينزل إلى 1,5 في المائة في موسم الجفاف.
هذا الوضع يستوجب، وفق تصور لحليمي، نهج قطيعة في السياسة الفلاحية المعتمدة بشكل يساهم في بروز منتجات غير فلاحية بقيمة مضافة عالية، وشدد على ضرورة الاهتمام أكثر بالفلاح الصغير والاستغلاليات العائلية.
وأضاف لحليمي في تحليله قائلاً: “لقد ركزنا كثيرا على الفلاحة المتطورة القائمة على المكننة والاستغلاليات الكبرى. في عالم اليوم حيث أصبحت الأمن الغذائي استراتيجياً، يجب أن نتساءل عن تهميش الاستغلاليات الفلاحية العائلية”.
وعبر المندوب السامي عن تخوفه “من فقدان المغرب لهذه الفلاحة التقليدية ومعارفها التي تدبر بشكل جيد الندرة والجفاف”، وقال إن “الشباب الذين يغادرون القرى نحو المدن لا يحافظون على هذه التقاليد والمعارف”.
الاهتمام بالفلاح الصغير، لا يعني، وفق لحليمي، محاربة فلاحة الاستغلاليات الكبرى، لكنه أكد أن هذه الأخيرة تحقق معدلات قيمة مضافة عالية كلما كان الموسم الفلاحي جيداً، ولذلك دعا إلى تركيز السياسة الفلاحية على الفلاح الصغير، خصوصاً في ظل الصدمة المناخية التي نعيشها اليوم حيث أصبح الجفاف معطى هيكلياً.
الاستثمار والإدارة
المعطى الثاني الذي تحدث عنه لحليمي هو الاستثمار، حيث قال إن مستواه مرتفع جداً في المغرب، بحيث يناهز 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام، لكن يبقى مردوده ضعيفا، وهو ما فسره بالقول: “هذا يعني أن هناك تدبيرا غير جيد وتبذيرا واستثمارا فيما لا يجب، أو إن نسبة من هذا الاستثمار تهرب إلى مكان آخر”.
وأكد لحليمي أن العودة إلى مبدأ الأخلاقية المثالية أمر ملح بشكل كبير في المغرب، وقال إنه عامل إنتاج رئيسي لأنه يعني محاربة الفساد والكارتيلات والتفاهمات، وتفعيل المؤسسات تفعيلا حقيقيا.
وأبرز المندوب السامي أن تعزيز جاذبية الاقتصاد الوطني وجلب الاستثمار، أمر يستدعي أولاً دعم استثمار المغاربة في وطنهم قبل الحديث عن جلب الاستثمارات الأجنبية، وأشار إلى أن الإدارة وتعقيداتها من بين المعيقات الكبيرة لهذا الهدف.
هذا الوضع يجعل من الضروري، يورد الحليمي، إصلاح الإدارة الذي لا يتحقق عبر الرقمنة، بل من خلال تثمين قدرات الموارد البشرية والقطع مع معيار الأقدمية للتقدم في المسار المهني ومنح الفرص للمستحقين.
خسائر السنوات الماضية
تحليل لحليمي كان صادماً على مختلف الأصعدة، حيث قال إن المغرب فقد في السنوات الثلاث (2020 و2021 و2022) ما يعادل 2,5 من النمو، وأكد أن استعادة هذه الخسارة تتطلب مجهودا لتحقيق نمو اقتصادي أكبر.
كما كشف المسؤول ذاته، البالغ من العمر 83 سنة ولا يزال يكابد وهن الجسد لتقديم قراءات دقيقة بشكل مستمر للوضع الاقتصادي المغربي، أن البلاد فقدت ما يعادل 3 سنوات من جهود محاربة الفقر بسبب جائحة “كوفيد-19” والجفاف والتضخم.
أما على مستوى الفوارق التي تقاس بمؤشر “جيني”، فقد صدم لحليمي الحاضرين في الندوة بالقول إن المغرب عاد إلى مستوى سنة 2000، ما يعني ضياع عقدين من الزمن من الجهود لمحاربة الفوارق الاجتماعية.
وفي حديثه عن التضخم، قال لحليمي إنه أضر أكثر بالأسرة والمقاولات؛ فهذه الأخيرة فقدت 24 في المائة من دخلها الخام، فيما فقدت الأسر حوالي 6 في المائة من دخلها، وأورد أن الأكثر فقراً هم الذين يعانون بشكل أكبر من التضخم.
كيف يمكن تدارك هذه الخسائر؟ يؤكد لحليمي على معطى تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية المتضمنة في النموذج التنموي خلال السنوات الخمس المقبلة، واستحضار معطى التضامن، حيث قال إنه لا يجب تحميل أي كان، سواء الدولة أو الأسرة أو المقاولات، ما لا يحتمل.
وتوجه لحليمي إلى الحكومة قائلا: “ننتظر من الحكومات أن تعتمد خطاب الحقيقة، ومن يقوم بتقييم السياسات العمومية يجب أن يستحضر الأمانة والصدق، والتواضع مطلوب من طرف الحكومة، وهذا يمر بقول الحقيقة وقبول النقاش والعمل في شفافية؛ لأنه لا يمكن إخفاء أي حقيقة، واستحضار مبدأ المثالية الأخلاقية، سواء لدى الحاكمين أو المحكومين”.