بصمات في صيانة بعد تزكية الإنسان في الدين، وخدمة الإنسان والوطن، والحوار بين الأديان، تركها الفقيد عبد الله الشريف الوزاني.
وعُرف الباحث والجامعيّ الراحل بحلقات برامجه ومحاضراته وخطبه وكتاباته باللغتين العربية والفرنسية، حول الزاوية الوزانية والحب النبوي والمعارف الإسلامية.
ونعى الملك محمد السادس الفقيد في رسالة تحدثت عن “سيرة عالم باحث مقتدر، حميد الخصال، ذي مسار فكري متميز وطنيا ودوليا، إذ كان، رحمه الله، قدوة حسنة في تجسيد الإسلام الحق، والحرص على إشاعة مبادئه وقيمه السمحة، من خلال مؤلفات وإسهامات وازنة، تدعو إلى التحلي بفضائل الوسطية والاعتدال، وربط جسور التعايش والتسامح بين مختلف الأديان، فضلا على المعهود فيه من غيرة وطنية صادقة”.
محمد التهامي الحراق، الكاتب والباحث، تذكّر العلَم الفقيد قائلا: “ماضيه لم يكن قط ناقصا، وكانَتُه كاملة هي؛ اكتملت بأخلاقه الرفيعة، وسمته البهي، وإهابه المشرق، وعلمه المشع، وصمته الحكيم، وصوته المحرابي الرخيم، ووفائه الفائق لأحبائه، وتحمله للأذى في صبر أيوبي عزيز ونادر”.
وأكد الحراق، في حديث مع هسبريس، أنه لم يفق بعد “من ارتدادات زلزلة الفراق”، مضيفا: “لم تجف دموع التذكر وزفرات الإقرار بأن الفراق والوداع وقع بهما التدبير في القضاء والقدر. وكأن في النفس بقية من أمل غائر أن أسمع من مولاي عبد الله نداء، أو أتلقى منه مكالمة، أو يجمعنا محفل ذكر أو مذاكرة، مائدة وجد أو فكر. كان تواصلنا لا ينقطع، فهو شقيق لا تمل معاشرته، طيب الكلمة، رهيف الإنصات، صدوق الرأي، ميسر للعقبات، مبدع في المسارعة للخير، لا يميل للسجال، بل يدلي بحجته ويستكين للبشرى والأمل”.
وتابع الكاتب والباحث قائلا: “لم يجرؤ لساني إلى اليوم أن أتحدث عن أخي وصديقي وشقيقي في المعرفة والعرفان، في الذكر والفكر، في الصمت والصوت؛ أن أتحدث عنه بفعل كان”، ثم زاد: “لا أزعم أنني أقدم شهادة في شقيقي الروحي مولاي عبد الله، فهو لم يمت في دخيلتي، ولن يغيب عن سريرتي، بل سأكتب له شاهدة على قلبي ترثي غيابه في الحس ووهج حضوره في معناي. وأجد الأوصاف تقول بعضا من مزاياه وتخون أخرى. بل أجد الصمت الخاشع أجدر وأجدى في قول بعض رفيع مكانته وبديع منزلته في محافل العلم والولاية، والذكر والصلاة على الحبيب المصطفى”.
واستدرك الشاهد قائلا: “مع ذلك أستأذن روحه في بعض الخيانة… طلبا لقليلِ الإبانة. فهو السني علما، الزهي سمتا، البهي حضورا، النقي سريرة، المبادر في الخير، الساعي في المبرات، المؤلف تحفا، الإعلامي المشع أصالة والمضيء لأسئلة هنا والآن”.
وأضاف محمد التهامي الحراق: “تعلمون، مثلما علمتنا الحكمة، أن السفر مختبر الصداقة. سافرت مع مولاي عبد الله، رفيقا ومرافقا؛ فكانت رفقة ود وكياسة ومعرفة ومرح، رفقة متعة وفائدة اكتشاف. يتحمل عن الجميع ما لا يطيقه أحدنا، وكلما استعصى على أحد أفراد الوفد المسافر أمر، كانت كلمة السر في حله: مولاي عبد الله. حصل ذلك مرات شتى، في تونس، وتركيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية… وغيرها. مولاي عبد الله في المحافل الزاوياتية والمؤسسات الجمعوية رجل الإجماع. ذاك سر تصديره في المجامع والجمعيات”.
هذه الخصلة، مكنت الفقيد من ترؤس مؤسسة مولاي عبد الله الشريف للدراسات والأبحاث، ومؤسسة مولاي إدريس للدراسات التاريخية والشرعية، ورابطة مجمع الصلاح بالمغرب، إضافة إلى نيابة رئاسةٍ أو عضوية فعالة في مكتب بعض الهيئات الوطنية الكبرى أيضا، مثل جمعية هواة الموسيقى الأندلسية بالمغرب، والهيئة العليا لجمعيات المديح والسماع بالمغرب، وفق المتحدث.
وواصل الحراق: “أما حضوره الإعلامي سواء على القناة الثانية أو قناة السادسة أو قناة M24، أو ضيفا على سائر الإذاعات والقنوات الوطنية والدولية والمجلات المكتوبة والرقمية… فحدث بلا استدراك. فضلا عن كونه من أبرز وجوه الحوار الديني في المغرب. إذ له صداقات كبيرة مع ممثلي المسيحية واليهودية في المغرب. وله حضور استثنائي في لقاءات الحوار الديني ترسيخا لثقافة السماحة والتعايش والقبول بالمختلف وبناء المشترك الإنساني”.
وفي ختام تذكر محمد التهامي الحراق لعبد الله الوزاني، أجمل بقول: “مولاي عبد الله كان منيرا إذا حضر، مقنعا إذا حاضر، مؤثرا إذا أشار، صدوقا إذا نصح، صبورا سعيا في الخير، متحملا إذا لذع، غير حقود إذا لذغ، صفوحا حتى وإن لم يُستسمَح، خشوعا مخشعا إذا تبتل وتضرع، واجدا محركا للأحوال إذا تواجد في حلقة العمارة، مسافرا بالأرواح إلى عوالم الحيرة في الله وبه إذا أطلق صوته الشعشعاني الرخيم بجلالة الختام. ختام حلق الذكر والصلاة على النبي الكريم. رحمه الله بواسع رحماته؛ وأسكنه أعالي فرادس جنانه، وجزاه أوفى الجزاء عن خدمة دينه وأمته ووطنه وملكه، أفضل وأجزل وأكرم العطاء والجزاء. إنه تعالى قريب مجيب الدعاء”.