رضا الفاعلين الحقوقيين عن تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان ما يزال منحصر الرقعة بشأن “أحداث مليلية”، فالانتظارت كانت أكبر من المضامين التي لاقت اتهامات بمحاباة “رواية رسمية” وعدم ضبط معطيات ميدانية وتاريخية.
ورافقت انتقادات الحقوقيين ملاحظات شكلية وفي المضمون كذلك، بداية بضعف اطلاع أعضاء الاستطلاع على تاريخ الاقتحامات والصدامات التي شهدها معبر مليلية، والشكل الذي يعتمده المهاجرون من أجل العبور نحو الثغر المحتل، وهو ما أفرز استنتاجات غير صحيحة.
وفي هذا السياق، تستعد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (أكبر تنظيم حقوقي بالمغرب) لطرح تقرير مواز لما أورده المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وذلك يوم العشرين من الشهر الجاري، سيعدد نقط الخلاف مع ما تناوله تقرير المؤسسة الحقوقية الرسمية.
شكيب الخياري، رئيس جمعية الريف لحقوق الإنسان، اعتبر أن ما ادعته اللجنة الاستطلاعية لبناء الوقائع بخصوص “أحداث الجمعة” من أنها لم تكن مسبوقة وفق العناصر التي ذكرتها، “أمر غير صحيح تماما، وهو أمر يمس بمصداقية العمل الذي تم تقديمه للمجلس الوطني لحقوق الإنسان”.
وأضاف الخياري أنه “كان من المفترض أن تكون هناك منهجية صارمة في إجراء هذا العمل، إلى جانب تمكن أعضاء اللجنة من الملف الذي لا ينعزل فيه الماضي عن الحاضر”، مؤكدا أن اعتبار الهجوم قد اتسم بالمباغتة والإحكام في التنظيم، “أمر خاطئ”.
وشدد المتحدث على أن جميع عمليات الهجوم للولوج عنوة إلى مليلية أو سبتة المحتلتين، “كانت تتم بشكل مباغت، وإلا كيف يمكن تصور حصولها دون ذلك؟ كما أنها كلها محكمة التنظيم؛ حيث يجتمع المهاجرون إما في نقطة واحدة أو ينقسمون إلى مجموعات تهجم من نقط مختلفة”.
أما الصورة الثانية للخطأ، يورد الخياري، “فحسب اللجنة، فإن هجوم الجمعة وقع من حيث الزمان بالنهار وهو ما لم يقع من قبل، وهذا أيضا زعم غير صحيح؛ ففي العديد من المناسبات كانت هناك عمليات للهجوم على سياج مليلية أو سبتة في واضحة النهار”.
ورصد المصرح لهسبريس مثال اقتحام سياج مليلية في واضحة النهار (13:30) يوم الأحد 4 شتنبر 2016 من طرف 120 مهاجرا، أما من حيث المكان فادعاء أنه لأول مرة يقع الهجوم على المعبر وليس السياج، غير صحيح أيضا.
وذكّر الخياري، على سبيل المثال، بمحاولة 40 مهاجرا اقتحام معبر باب مليلية في 23 يونيو 2008، كما تمت محاولة أخرى من طرف 59 مهاجرا لاقتحام معبر باريو تشينو يوم الاثنين 11 غشت 2008.
ورفض الفاعل الحقوقي ادعاء أن جنسية واحدة تشكل الغالبية المطلقة للمهاجرين الذين اقتحموا المعبر، مؤكدا أن الأمر لا يمكن استنتاجه في غياب لوائح جنسيات جميع من اقتحموا المعبر أو السياج منذ 2005، وتبقى هذه معلومة بدون أي سند.
أما من حيث العنف، فمضمون التقرير كذلك غير صحيح؛ فقد رافق العنف العديد من محاولات اقتحام مليلية، حيث كان عدد كبير من المهاجرين يواجهون القوات المغربية بالعصي والحجارة، وهو ما أسفر عن وفاة أحد أفراد القوات المساعدة سنة 2012 بعد إصابته بحجر كبير على مستوى الصدر.
“كما استعمل البعض منهم الرش بالحمض والكلس في مواجهة القوات الإسبانية، ويمكن في هذا الشأن الاطلاع، على سبيل المثال، على بلاغ السلطات الإسبانية في أواخر يوليوز 2018، حيث دخل مليلية المحتلة أكثر من 600 مهاجر باستعمال القوة وحدث مواجهات وصفها الإسبان بأنها شديدة العنف”، يورد الخياري.
عبد الرزاق بوغنبور، المنسق السابق للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، سجل أن المغرب كانت له فرص القيام بالأحسن لتفادي الابتزاز من الاتحاد الأوروبي، مؤكدا جسامة المسؤولية التي يتولاها في ملف الهجرة.
وقال بوغنبور، في تصريح لهسبريس، إن “المغرب لا يوفر اللوجستيك الكامل لحماية الحدود”، مشددا على “ضرورة إشراك الاتحاد الأوروبي في العملية والتنسيق مع السلطات الإسبانية بهذا الخصوص”.
وأكد المتحدث “ضرورة حماية الحدود من تدفق المهاجرين عبر موريتانيا والجزائر”، مشيرا في السياق ذاته إلى أنه “رغم هذه النقاط، فزمن الإجماع انتهى، وتقرير مجلس حقوق الإنسان عكس فقط وجهة نظر الدولة”.
واعتبر بوغنبور أن التقرير انحاز للخطاب الرسمي، مشيرا إلى أن العديد من التنظيمات رفضت مضامينه، خصوصا المتعلقة بعدم استعمال الرصاص، مبرزا طرح نواب عن الحزب الاشتراكي الإسباني معطيات تؤكد استخدامه.
ولفت الفاعل الحقوقي إلى أن ما جرى مس بصورة المغرب الحقوقية، مسجلا أن التحقيق يجب أن تقوم به مؤسسات مثل البرلمان أو القضاء، مشددا على أن “الحديث عن رزانة التدخل الذي جرى، أمر غير معقول”.