قال الباحث السياسي محمد شقير إنه “أصبح من الشائع ترقب اجتماعات المجلس الوزاري التي يترأسها الملك، حيث تنتشر تكهنات وتوقعات حول توقيت انعقاده أو التساؤل حول أسباب تأجيله. ولعل هذا الاهتمام والترقب مرتبط بالأساس بكون هذا المجلس يعتبر الآلية المحورية في اتخاذ أهم القرارات الإستراتيجية التي تحدد توجهات الدولة وسيرها”.
وبعدما ذكّر شقير بأن المجلس الوزاري يعتبر في نظام الحكم بالمغرب مجالا لاتخاذ أكبر القرارات في حياة الدولة، تطرق الباحث السياسي، في مقال له بعنوان “المجلس الوزاري بين الأجندة الملكية والسياسة التدبيرية”، إلى مجموعة من الجوانب المرتبطة بـ”المجلس الوزاري كآلية محورية لتسيير مؤسسات الدولة”، و”المجلس الوزاري كآلية لتسريع عمل مؤسسات الدولة”.
وأشار محمد شقير إلى “ضرورة أن يتم تفعيل مضامين الفصل 48 من الدستور لكي يساهم رئيس الحكومة في تحريك دينامية المجلس الوزاري، إذ نص هذا الفصل في خطوة دستورية ثورية واستباقية على أنه يمكن لرئيس الحكومة بتفويض من الملك أن يرأس مجلس الوزراء على أساس جدول أعمال محدد”، موضحا أن “تفعيل هذا النص الدستوري سيسهم بلا شك في تدبير العديد من الملفات والمشاريع خاصة تلك التي لا تكتسي طابعا إستراتيجيا أو سياسيا”.
هذا نص المقال:
أصبح من الشائع ترقب اجتماعات المجلس الوزاري التي يترأسها الملك، حيث تنتشر تكهنات وتوقعات حول توقيت انعقاده أو التساؤل حول أسباب تأجيله. ولعل هذا الاهتمام والترقب مرتبط بالأساس بكون هذا المجلس يعتبر الآلية المحورية في اتخاذ أهم القرارات الإستراتيجية التي تحدد توجهات الدولة وسيرها. وخلال اجتماعاته، تتم المصادقة على القرارات التي يصادق عليها مجلس الحكومة الذي يعقد اجتماعاته عادة بشكل منتظم كل خميس من كل أسبوع في الوقت التي لا تنعقد اجتماعات المجلس الوزاري إلا بشكل محدود؛ بل يكون ذلك غالبا مرتبطا بظرفية ضرورة تقديم مشروع قانون المالية الذي لمناقشته أمام مجلسي البرلمان في الآجال المحددة من طرف الدستور.
المجلس الوزاري كآلية محورية لتسيير مؤسسات الدولة
يعتبر المجلس الوزاري في نظام الحكم بالمغرب “مجالا لاتخاذ أكبر القرارات في حياة الدولة” بالمغرب؛ فطبقا لأحكام الفصلين 48 و49 من الدستور الحالي، فإن الملك يترأس المجلس الوزاري الذي يتألف من رئيس الحكومة والوزراء، ويتداول في القضايا والنصوص التي تهم التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة سواء تلك التي تتعلق بـ:
– المجال التنظيمي كمراجعة الدستور، ومشاريع القوانين التنظيمية…
– المجال العسكري كإعلان حالة الحصار وإشهار الحرب بالإضافة إلى مشاريع القوانين المتعلقة بالمجال العسكري….
– المجال القضائي كمشروع قانون العفو العام وتنظيم السلطة القضائية…
– المجال الإداري كتعيين كبار المسؤولين السامين كوالي بنك المغرب، والسفراء، والولاة والعمال، والمسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي للمملكة، ومديري المؤسسات والمقاولات العمومية …
وبالتالي، فهذا المجلس الذي يترأسه الملك هو “العنصر الدينامي والمحرك الأساسي للعمل الحكومي، فهو الذي يقرر في جميع المسائل والقضايا التي تهم السياسة العامة للدولة”. فعلى الرغم من تقوية الدستور الحالي لبعض صلاحيات رئيس الحكومة خاصة فيما يتعلق بالتعيين في بعض الوظائف والمناصب الإدارية العليا من رؤساء الجامعات وبعض المؤسسات العمومية…، فإن السلطة التنفيذية قد بقيت متمركزة في يد الملك من خلال ترؤسه للمجلس الوزاري الذي يحدد توقيته وفق أجندته السياسية والظرفية الخاصة به. فخلال الفترة الممتدة ما بين شتنبر 2011 ومارس 2020، تم عقد 32 مجلسا وزاريا مقابل المئات من المجالس الحكومية المنعقدة طيلة هذه المدة؛ لكن إذا كان قد سجل ارتفاع عدد المجالس ما بين 2011 و2016 نظرا لضرورة المصادقة على المشاريع التنظيمية التي نص عليها دستور فاتح يوليوز قبل انتهاء الولاية التشريعية الأولى التي أفرزها هذا الدستور، فقد انخفضت وتيرة انعقاد هذا المجلس، حيث لم تتعد 10 اجتماعات خلال عقد من الزمن والذي كانت تقتضيه بالأساس ضرورة المصادقة على مشاريع قوانين المالية قبل مناقشتها من طرف مجلسي البرلمان وكذا ضرورة تمويل السير السنوي العادي لدواليب الدولة ومؤسساتها. بالإضافة إلى أن متطلبات التحضير للانتخابات التشريعية لشتنبر 2021 تطلبت ترؤس الملك لأشغال المجلس في فبراير 2021 للمصادقة على القوانين المؤطرة لهذه الانتخابات. كما انعقد مجلس آخر في شهر أكتوبر 2021 اقتضته ضرورة المصادقة على مشروع قانون المالية للسنة المقبلة؛ لكن منذ ذلك الوقت لم يتم، إلى حد الآن، عقد أي اجتماع وزاري خلال سنة 2022.
المجلس الوزاري كآلية لتسريع عمل مؤسسات الدولة
إن اختلاف وتيرة انعقاد المجالس الوزارية يرتبط بشكل وثيق بالأجندة الملكية، حيث بخلاف انعقاد مجلس الحكومة الذي ينظمه قانون تنظيمي، فلا يوجد في الدستور أي مقتضى يفيد “ضرورة انعقاد المجلس بشكل شهري أو دوري”. ولعل هذا الوضع قد أدى إلى تأخر تنفيذ مشاريع عديدة أعدتها الحكومة تتعلق بتحريك أوراش تنموية واستثمارية أو تنظيمية، إذ على الرغم من أن الملك يخصص عادة جلسات عمل لتدارس بعض المشاريع التي تهم قضايا مثل الطاقة والتكوين المهني، ومواجهة تداعيات وباء كوفيد، فقد بقيت مشاريع أخرى لم يتم تحريكها؛ بما فيها تعيين مسؤولين في قطاعات حيوية، كتعويض كل من والي بنك المغرب والمندوب السامي للتخطيط نظرا لكبر سنهما، أو تعويض مدير الوكالة الوطنية للطاقة المتجددة بعدما تم إبعاده عن ممارسة أية صلاحيات إدارية. بالإضافة إلى عدم تدشين حركية ولاة وعمال الجهات والأقاليم التي طال انتظار المصادقة على لائحة المعينين الجدد، خاصة بعد الإنهاك الجسدي والإداري الذي عانى منه جل ممثلي السلطة المحلية لتدبير تداعيات الجائحة وانعكاساتها السلبية على السير العادي للشؤون المحلية والترابية والأمنية والصحية.
وبالتالي، فمركزية المؤسسة الملكية داخل آلية صنع القرار في نظام الحكم بالمغرب، ودور “الدينامو السياسي والاقتصادي” الذي يلعبه الملك في تحريك دواليب الدولة يجعل من وتيرة اجتماعات المجالس الوزارية والقرارات المتخذة داخلها محركا أساسيا في إضفاء دينامية خاصة على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالمملكة. فاجتماعات المجلس التي تعكس نشاط الملك وهو جالس لترؤس تدبير الشؤون العامة داخل المجلس الوزاري هي الهالة نفسها التي تضفيها الزيارات الملكية وهو يتجول بين أقاليم المملكة. وبالتالي، فإن تراجع عدد هذه الاجتماعات قد يترك انطباعا أو تصورا خاطئا حول ضعف هذه الدينامية. فبالإضافة إلى تراكم ملفات المشاريع الوطنية والجهوية التي تحضرها عادة الحكومة في اجتماعاتها الأسبوعية لعرضها أمام المجلس الوزاري، يسود انطباع عام سواء داخل الرأي العام الداخلي؛ وبالأخص لدى الجهات الخارجية، من مستثمرين أجانب ومؤسسات دولية، بثقل بيروقراطية الدولة بالمغرب وارتباطها بشكل وثيق بالأجندة الملكية التي لها أولوياتها وإكراهاتها الخاصة في تدبير الشأن العام. من هنا، ضرورة أن يتم تفعيل مضامين الفصل 48 من الدستور لكي يساهم رئيس الحكومة في تحريك دينامية هذا المجلس، إذ نص هذا الفصل في خطوة دستورية ثورية واستباقية على أنه “يمكن لرئيس الحكومة بتفويض من الملك أن يرأس مجلس الوزراء على أساس جدول أعمال محدد”.
إن تفعيل هذا النص الدستوري سيسهم بلا شك في تدبير العديد من الملفات والمشاريع، خاصة تلك التي لا تكتسي طابعا إستراتيجيا أو سياسيا، إذ إن ذلك سيخفف من بعض أعباء الملك في تدبير الشأن العام وسيسمح له بالتفرغ للقضايا الإستراتيجية التي تهم المجال الديني والمجال العسكري والسياسة الخارجية في وضع دولي تتحكم فيه مجموعة من المتغيرات الجيو إستراتيجية تتمثل في الصراع بين أقطاب عالمية تنعكس حاليا من خلال الحرب الروسية الأوكرانية، والتنافس بين قوى إقليمية على توسيع مجال نفوذها خاصة بالمنطقة المتوسطية والإفريقية، وأطماع نظام جوار متواصل جعل من استعداء طموحات المملكة عقيدة سياسية وعسكرية لتحركاته الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى تداعيات أزمات مناخية وصحية سترخي بظلالها على سياسات الدول مستقبلا. بالإضافة إلى تحديات وضعية اجتماعية اقتصادية واجتماعية داخلية صعبة زادت من هشاشتها تداعيات وباء كورونا وموجات الغلاء الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية والتداعيات السلبية للجفاف.