أعلنت منشورات جامعة شيكاغو الأمريكية صدور النسخة الإنجليزية لمشروع الأنثروبولوجي عبد الله حمودي، شهر غشت المقبل، المنظر لأنثروبولوجيا مصوغة باللغة العربية.
ويعد هذا الكتاب الصادر بعنوان “المسافة والتحليل.. صياغة أنثروبولوجيا عربية” الجزء الأول من مشروع اقترحه صاحب أطروحة “الشيخ والمريد” الذي درس بجامعة برينستون، على أنثروبولوجيي المنطقة المغاربية والعربية، وغيرهم ممن يكتبون بالعربية ولغة أجنبية أخرى على الأقل، من أجل صياغة “أنثروبولوجيا بديلة”، أو “علوم اجتماعية بديلة”.
وتلا هذا الكتاب، باللغة العربية، جزء ثانٍ بعنوان “ما قبل الحداثة”، وعنوان فرعي هو “اجتهادات في تصور علوم اجتماعية عربية”.
ومشروع “الأنثروبولوجيا العربية”، كما بسط حمودي معالمه في كتاب “المسافة والتحليل”، يعني أنثروبولوجيا مكتوبة بالعربية، تتحدى الهيمنة الغربية، وتعنى بالمجتمعات التي تجمعها هذه اللغة، وتطرح بديلا يبحث بشكل مقارن في الإنتاجات الأجنبية حول المنطقة المغاربية والعربية، خاصة الأنثروبولوجيا الفرنسية والإنجليزية، ورؤية باحثي المنطقة ومثقفيها، عبر التاريخ، لأنفسهم من أجل محاولة فهم جديد لا تقتصر الكتابة حوله على اللغة العربية، بل تمتد إلى لغات أخرى، أهمها الإنجليزية.
ومن المفاهيم المركزية في هذا المشروع “المسافة”، التي يشرحها عبد الله حمودي بكونها “كيف تدير عينك لترى الأشياء اللصيقة بك؟ وهذا من أدوات بناء المسافة (…) وهذه الوظيفة لا توجد في الإثنوغرافيا فقط بل في السينما والمسرح والأدب وغيرها. ومن وسائل بناء المسافة، التصوير وإعادة النظر في المصور، والاهتمام بالتاريخ وماضي المجتمع، والاهتمام بالمجتمعات الأخرى؛ وفي طليعتها المجتمع الذي استعمرَنا، الغرب، مع واجب التمكن من تنظيماته والركوب عليها والنظر إلى مجتمعاتنا، وتعلم اللغات والترجمة الدائمة، التي هي خروج من لغة إلى أخرى ومن عالم إلى آخر”.
وينبه حمودي، عبر هذا الكتاب، إلى أن “من أدوات التحرر من الاستعمار، وخلق البديل، ألا نبقى في النقد الكولونيالي بمعنى تشخيص الإطار العام، ثم استخراج أن تلك المعرفة لا تصلح؛ بل يجب البدء من ذلك الواقع الذي تداخلت فيه الممارسات الكولونيالية والممارسات المغربية والتاريخية وخلقت شيئا جديدا، نشخصه ونُنَظر له، ثم نرتقي لما هو إطار عام”.
ويرى الأنثروبولوجي في هذا العمل “رسما لخطواته”؛ “حتى يتمكن الناقد من نقدها وتفنيدها. وأؤمن بأن أي أطروحة لا ترسم الخطوات التي تمكن القارئ من نقدها وتفنيدها هي أطروحة غير صالحة”.
ويضيف: “كنت مهوسا بفكرة أن على مجتمعي خلق معرفة جديدة، تنبع منه، دون تحيز، وبحوار مع ما يأتي من الخارج. وما الأنثروبولوجيا التي يجب أن تُدرس وتكون نافعة؟ وكانت الأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا في العمق، بالنسبة لي، هي أن يدير المغاربة والمغربيات وجوههم ويروا واقعهم بنظرة تشخيصية ونقدية ومستشرفة في المستقبل، ويكون هذا في حد ذاته قطيعة”.
وحول “عربية” هذه الأنثروبولوجيا التي يدعو إلى صياغتها حمودي، قال إن إكراهات التدريس والبحث هي التي منعته من الكتابة بالعربية، وحصرته في الفرنسية والإنجليزية؛ لكن: “كان حلمي دائما غرس العلوم الاجتماعية في اللغة العربية، لطابعها التشخيصي والنقدي وتوسيع التفكير. والآن بعد أن شخصتُ وكونت رصيدي ومساري المهني، اتجاهي الأول هو الكتابة بالعربية، بعربية لا يدخل عليها العلم صدقة، بل يكون مستواها يضاهي كتاباتي وكتابات آخرين بالإنجليزية والفرنسية. لا أقول إني توفقت في هذا دائما، إلا أن هذا هو مشروعي”.
ويحتاج هذا المشروع، وفق الأنثروبولوجي: “أجيالا وأجيالا”. ويحاول كاتب معالمه “فقط فتح أبوابه”، دون دعوة إلى “التقوقع في العربية”؛ بل إن دعوته هي “الكتابة بالعربية وبلغات أخرى، وتعلمها، للتباري مع الباحثين على مستوى كوني”.