تحاول فرق الأغلبية بمجلس النواب، من خلال مقترحات التعديلات المقدمة على مشروع النظام الداخلي، الحفاظ على توازن مالية الدولة تطبيقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 77 من الدستور.
ووفق التعديلات المقترحة، فإن قانون المالية الجاري به العمل يعتبر مرجعا في تقدير الانعكاسات المالية، التي من شأنها التأثير على توازن مالية الدولة بالنسبة لمقترحات القوانين التي يتقدم بها أعضاء المجلس.
وبالرغم من كون المحكمة الدستورية قد توافق على تعديلات المجلس بخصوص النظام الداخلي للغرفة الأولى، فإن ما جاءت به الأغلبية يواصل تأكيد صلاحيات الحكومة للتصدي للتعديلات المقدمة من لدن النواب حفاظا على توازن المالية.
وإذا كانت الوثيقة الدستورية، طبقا للفصل 83، منحت البرلمان صلاحية التقدم بتعديل على قوانين المالية المقدمة من لدن الحكومة، إلا أن صلاحيات السلطة التنفيذية تعد أكبر من ذلك، حيث يمكنها التصدي لهذه التعديلات.
ويظل الفصل 77 من الدستور المغربي، الذي ليس سوى استمرار للفصل 56 من دستور 1996، بمثابة “فيتو” تواجه به السلطة التنفيذية نظيرتها التشريعية، وتكبح من خلاله أي مقترح من شأنه الزيادة في التكاليف العمومية أو تخفيض الموارد، وهو ما يزكي مفهوم “العقلنة البرلمانية”، حيث اختصاص التشريع المالي اختصاص أصيل للحكومة.
ويرى الخبير في القانون الدستوري رشيد لزرق أن الحفاظ على توازن مالية الدولة يقتضي تبني العقلنة البرلمانية، من خلال الفصل 77 من الدستور، التي تجعل اختصاص التشريع في الجانب المالي اختصاصا حصريا للحكومة، مشيرا إلى أن المشرع المغربي تأثر بنظيره الفرنسي منذ أول تجربة دستورية، وبالضبط المادة 40 من دستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958، التي نصت على أنه “لا تقبل الاقتراحات والتعديلات المقدمة من أعضاء البرلمان إذا كانت الموافقة عليها يترتب عنها إما تخفيض في الموارد العامة وإما إحداث عبء في النفقات العامة أو مضاعفته”.
واعتبر أستاذ التعليم العالي بالقنيطرة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذه المادة تعمل على تقييد حرية المبادرة لدى البرلمان، حيث يقتصر دوره على المصادقة على الاقتراحات الحكومية، مهما كانت طبيعتها، وتبعا لذلك تنحصر صلاحياته في المبادرة إلى التقدم باقتراحات تهدف إما إلى الزيادة في الموارد عن طريق اقتراح إحداث ضرائب جديدة، أو اقتراح الزيادة في أسعار الضرائب الموجودة، أو التقدم باقتراحات ترمي إلى التخفيض من النفقات.
وأضاف أن الاقتراح الذي تدفع به الأغلبية يجعل المبادرة البرلمانية في مجال التشريع في القانون المالي “تنحصر واقعيا في التقدم باقتراحات ترمي إلى تحويل الاعتمادات، من باب إلى باب آخر، على أن لا يؤدي ذلك إلى المس بالتوازنات المالية لمشروع قانون المالية فيما يتعلق بالمداخيل والمصاريف”.
وأبرز لزرق أن هذا القيد “يجعل المبادرات البرلمانية تتجنب كل تعديل قد يؤدي إلى التخفيض في الضرائب أو الرسوم المماثلة لها، أو الزيادة في النفقات العامة، كاقتراح إحداث مناصب الشغل، أو الزيادة في الأجور، أو الزيادة في الاعتمادات المخصصة لبعض القطاعات الاجتماعية، أو خفض الضرائب”.
وأشار إلى أن النواب مطالبون، وفق الدستور والنظام الداخلي للمجلس، بتجنب كل اقتراح قد يؤدي إلى التخفيض في الضرائب أو الرسوم المماثلة لها، أو الزيادة في النفقات العامة، مما يفرض عليهم أثناء الاقتراح الحفاظ على توازن مالية الدولة، أي بين النفقات والمداخيل المقررة سلفا في مشروع قانون المالية.
وختم لزرق تصريحه بالتأكيد على أن تعديل القانون الداخلي للمجلس يهدف إلى ملاءمة وتجاوز الإشكالات التي طرحتها الممارسة البرلمانية على مدى عقد من دستور 2011.