“اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال”، دعاء كان يردده، باكيا ومذعورا، أحد القرويين وهو يبتعد عن منزله الذي كانت تدنو منه ألسنة اللهب. وكان أجيج النيران يختلط بعويل الرجل المكلوم، فيزيد المشهد وجعا ومرارة.
إنه واحد من المواقف الإنسانية الحزينة التي تم تناقلها على وسائط التواصل الاجتماعي، والذي يعكس حجم تذوق هذا المواطن ألم فقد بيته الذي يؤويه، وتجرع مرارة خسارة غابته التي تغذيه، إثر الحرائق المهولة التي ضربت غابة باب ازهار بجماعة الصميعة التابعة لدائرة تاهلة بإقليم تازة.
مواقف مؤثرة في خضم الصراع مع الحرائق
إبراهيم مشهور، أحد أبناء منطقة تاهلة، قال إنه انتقل إلى مكان اندلاع حريق غابة باب ازهار من أجل إيصال الماء الصالح للشرب إلى فرق الإطفاء والمتضررين، مشيرا إلى أنه كمتطوع
كان شاهدا على حجم الدمار الذي خلفته هذه الحرائق، وما رافقها من قصص ومواقف إنسانية مؤلمة.
وأضاف مشهور، في تصريح لهسبريس، أن الساكنة المتضررة في حاجة إلى الدعم والتضامن من قبل الجميع، مشيرا إلى أنه تألم كثيرا لمواقف أسر كانت ترفض إجلاءها من منازلها، التي كانت تهددها النيران، لارتباطها القوي بالأرض، وتمسكها إلى آخر لحظة بالأمل في توقف الحريق.
وأشاد مشهور بتجند السلطات للتخفيف من معاناة الساكنة المحلية وحمايتها، مشيرا إلى أن مشاهد تخلي الناس عن بيوتهم وهروبهم مرعوبين بعيدا، مصحوبين بأطفالهم المذعورين ورؤوس مواشيهم، جعلته يتحسر كثيرا لحالهم.
من جانبه، قال محمد سعيد، الفاعل الجمعوي بمدينة تاهلة، الذي حل، على عجل، بقريته الأصل، المتواجدة على مرمى حجر من مكان اندلاع حريق غابة باب ازهار، أنه أحس بالحزن الشديد لحال أسرتين تقيمان غير بعيد عن سد باب لوطا وهما تسرعان، في قلق وذعر لإخراج ممتلكاتهما من داخل منزليهما خوفا من أن تصل إليهما النيران المستعرة.
وأضاف سعيد، في تصريح للجريدة، أن المتضررين من حرائق غابة باب ازهار هم أساسا من الفئة الهشة التي تملك بيوتا مبنية من الطين والقش، قابلة للاحتراق بسرعة، كما هو الحال بدواوير الخزارية وآيت بوعزي وآيت عبد الواحد وآيت عاشور ومرباط ومازر والعين الفوقي، مشددا على ضرورة التكافل مع المتضررين من هذه الحرائق.
بدوره، قال حميد أوشن، رئيس فرع تاهلة للهيئة المغربية لحقوق الإنسان، إن حريق غابة باب ازهار تسبب في الإخلاء المفاجئ لأزيد من 400 شخص من منازلهم، مبرزا أنه، خلال تتبعه لعملية إجلاء الساكنة من مواقع الخطر، وقف على حجم الصدمة التي عاشتها أسر قروية بسيطة بسبب تداعيات الحريق.
وأضاف أوشن، في تصريح لهسبريس، أن الأسر المتضررة في حاجة إلى الرعاية والدعم الاجتماعي والنفسي لمساعدتها على الاستقرار في مجالها الطبيعي الذي ألفته طيلة سنوات، مشيرا إلى أنه من المؤلم رؤية غابة كانت تشكل مصدر دخل للساكنة المحلية ومتنفسا لإقليم تازة، وقد تحولت، في رمشة عين، إلى رماد.
أخصائي اجتماعي: آثار نفسية واجتماعية وخيمة
هيثم الرحيوي، نائب رئيس الجمعية المغربية للمساعدين الاجتماعيين، قال إن الأسر التي عاشت، رفقة أطفالها، مشاهد الحرائق في حاجة ماسة إلى الرعاية النفسية والاجتماعية، مبرزا أن الأخصائيين، في التخصصين معا، عليهم النزول إلى الميدان لمواكبة الضحايا.
وأضاف منسق الأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية بالجمعية المذكورة، في تصريح لهسبريس، أنه يجب إرجاع الأمان النفسي والاجتماعي إلى هاته الأسر لكي تتقبل ما عاشته من تجربة مريرة، مبرزا أن الأخصائيين مطالبون بالاستماع، ومواكبة مثل هاته الفئات خلال كل حالة طوارئ طبيعية.
وأوضح الأخصائي الاجتماعي ذاته أنه يجب، خلال عملية التدخل لمواجهة حرائق الغابات، أن يكون إلى جانب من يطفئ لهيب النار من يخمد مشاعر القلق والتوتر في نفوس الضحايا، باعتماد مقاربة نفسية علاجية، ونهج مقاربة اجتماعية تستحضر البعدين الاقتصادي والثقافي للغابة، وارتباط الإنسان القروي بالأرض والمجال. وأضاف أن “على الدولة أن لا تتخلى عن المتضررين لأنه لا يجب أن يتحملوا مسؤولية حرائق ليسوا هم سببها”.
وأبرز أن الحرائق الأخيرة لغابات المغرب ستفاقم معاناة الفلاحين والسكان الذين يعيشون بمحيط الغابات المحترقة، خصوصا في سنة تتميز بالجفاف الحاد وشح المياه، مشيرا إلى أن مشاهد الحرائق، التي آلمت الجميع، ستكون لها آثار اجتماعية ونفسية وخيمة على فئات واسعة من ساكنة المجال القروي المتضرر.
ونبه المتحدث ذاته إلى ضرورة الاستثمار في الثروة الغابوية، عبر برمجة أنشطة توعوية مكثفة حول حماية الغابات، مضيفا أن الناس يجهلون قواعد التعامل السليم مع المنتزهات الطبيعية، حيث يتعمدون، مثلا، التخلص من مواد تسبب اندلاع الحرائق، مثل الولاعات وقطع الزجاج.