احتفاءٌ بحفظة القرآن، وتمسّكٌ بسنة مغربية تكرّمهم وتباهي بهم الساكنة حضر في حفل بقرية دوتوريرت، الواقعة في إقليم تارودانت بمنطقة سوس، رافقته مسيرة تستلهم تقليد “سلطان الطلبة” التاريخي.
يأتي هذا التكريم احتفاء بشباب ختموا حفظ القرآن، ويضاف إلى تكريمات أخرى بمناطق متعددة بالبلاد، أحدثها احتفاء شهدته العاصمة الرباط، مطلع شهر يوليوز الجاري، رفع لواء “سلطان الطلبة”.
و”سلطان الطلبة” احتفال مغربي تاريخي بحفظة القرآن، انطلق في العاصمة السابقة فاس منذ القرن 17، أرساه السلطان مولاي رشيد، ويختار فيه أجود قارئ وحافظ، ليتوّج “سلطانا” لطلبة القرآن لمدة أسبوع، وحاشيته زملاؤه الطلبة، ويطاف به فوق فرس لتراه الساكنة وتقدِّرَه، وتقدِّرَ ما استحق به التكريم.
عبد الرحمن بوكيلي، رئيس “رابطة الإمام ورش لخدمة القرآن الكريم”، قال إن هذا الحفل “يأتي في سياق ملتقى سنوي لسكان قرية دوتوريرت، ناحية تارودانت، للاحتفاء والابتهاج بالقرآن الكريم”.
وتابع في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية قائلا: “في هذا الملتقى يكون أهل القرية ويكون المحبون في سوس عامة على موعد مع القرآن الكريم، بحضور عدد من أهل القرآن من علماء وفقهاء وقراء، وتقدم فيه عدد من الكلمات والمداخلات. وكان عنوان ملتقى هذه السنة “عناية السوسيين بالقرآن الكريم”، وقد حضره عدد من أهل العلم من المجالس العلمية، ومن المشرفين على المدارس القرآنية، وحضرته بصفة الاهتمام والعناية بالقرآن الكريم وخدمته تحفيظا وتعليما وتعلّما”.
وذكر أستاذ التعليم العالي أن هذا الملتقى “يتوَّج بالاحتفال بكوكبة من الحافظين الذين ختموا القرآن الكريم، فيُحتفى بهم ويبرّزون ويسير الناس معهم في موكب “سلطان الطلبة” المهيب”، قبل أن “يختم الموكب بكلمة توجيهية، ثم الدعاء الصالح للحاضرين والغائبين، وللمغرب عامة والملك خاصة”.
وسجل رئيس “رابطة الإمام ورش” أن “هذا الاحتفاء سنة أصيلة جدا؛ فقد ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحتفلون ويحتفون. وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما أتم سورة البقرة ضبطا وحفظا وفهما، ذبح جزورا احتفاء بهذا الخير، وكان الصحابة رضي الله عنهم يتتبعون مسيرة حفظ أبنائهم، بل ومسيرة الحفظ في حياتهم، لأن الأمة كلها كانت تحفظ القرآن الكريم”.
وأضاف بوكيلي “تتالت هذه السُّنَة في الأمة، وللمغاربة أعراف جميلة جدا مثل “سلطان الطلبة”، الذي يُركب الفرس أو مركبا محترما، ويتجول به في القرية أو المدينة، وهذا كله كان من سننهم التي يقدمونها تحفيزا من أجل حث الصغار والكبار”.
وأبرز المتحدث ذاته أبعاد هذا التقليد من “تشجيع وتكريم للذين ساروا وعاشوا مع القرآن الكريم، ثم حث وتحفيز وتنشيط غيرهم للسير على هذه السبيل، فيكون في الاحتفاء تقديم للقدوة. كما أن في هذا إعلاءً لكلمة الله في بلدنا ومجتمعنا الحبيب؛ وعنايةً بالقرآن الكريم وتعظيماً له، ورفعا للكلمة التي جاءت به”، قبل أن يجمل قائلا: “وكل ذلك مما تتنزل به البركات والرحمات وترد به الآفات”.