دعوة صريحة إلى “إدماج أبعاد المناخ والتنمية المستدامة في التخطيط الترابي”، حمَلتها سلسلة لقاءات جهوية انعقدت، على مدار الأسابيع الماضية، في مختلف ربوع ومدن المملكة قصد الوصول إلى تدابير ملموسة ومقترحات عملية، مع مقاربات قادرة على المساهمة في تحسين عملية الإعداد والتفعيل المشترك للمخططات الترابية، ودمج ونهج معايير جديدة لمفهوم “الأقاليم والمدن المستدامة”.
وتأتي هذه الدعوة في سياق تنظيم “الائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة” AMCDD سلسلة من اللقاءات بلغ عددُها 12 لقاء منذ نهاية يونيو الماضي، جابت مختلف مناطق وجهات المغرب، كما أنها تزامنت مع ظرفية مناخية أصبحت تفرض مِلحاحية الموضوع بشكل مستعجل؛ لاسيما مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق خلال الأسابيع الأخيرة أدت، من بين أسباب أخرى، إلى اندلاع عدد من الحرائق شمال المملكة؛ وهو ما يهدد بتدهور بيئي خطير في الغطاء الغابوي والنباتي والتنوع البيولوجي.
ويعتبر مسار إعداد وتنفيذ مخططات التنمية الجهوية (PDR)، ومخططات التنمية الخاصة بالأقاليم والعمالات (PDPP) ، ومخططات عمل الجماعة (PAC) بالغ الأهمية من حيث التنصيص الدستوري على مبدأ إشراك فعاليات المجتمع المدني البيئي في مختلف مراحل الإعداد: الوضع والتنفيذ والتقييم بشكل تشاركي.
وتعززت دينامية اللقاءات الجهوية عبر تقاسم وجهات النظر والحوار والأفكار بين المنتخبين والفاعلين الجهويين بالجهات الاثنتي عشرة، بناء على مخرجات لقاءيْن وطنييْن عقدهُما الائتلاف بكل من مراكش وفاس في ماي الماضي. إذ نتج عنهما تقديم “خارطة طريق العمل لسيرورة التشاور المنشود والفعال”، تضمنتها ورقة تقنية أصدرها الائتلاف المذكور بعنوان “لماذا وكيف يجب تحسين آليات التشاور لبناء مشترك للمخططات الترابية؟”، تتوفر جريدة هسبريس على نسخة منها.
ونادت الوثيقة ذاتها بـ”ضرورة أن تستجيب مخططات إعداد وتنمية التراب لحاجيات واختيارات الساكنة، مع ملاءمتها مع أهداف التنمية المستدامة وأجندة المناخ العالمية”، بهدف تقوية أدوار المواطنين والفاعلين في مرحلة إعداد مخططات التنمية الترابية الجارية حاليا بعد الانتخابات الماضية، تفعيلا للوظائف المخولة دستوريا للمجتمع المدني، والمتمثلة في المساهمة في بلورة وتتبع وتقييم السياسات العمومية والترابية.
وكانت صياغة وثيقة سيرورة الإشراك الفعلي الموسع للمواطنين والفاعلين الترابيين، بعد انتهاج “مقاربة تشاركية” بين منظمات المجتمع المدني وبرلمانيين وجامعيين ومنتخبين، خلصت إلى تضمين “مقترحات تجاوز النقائص الحالية التي تحد من عملية الإشراك الفعلي للمواطنين ومختلف الفاعلين في مسار وضع وتنفيذ السياسات العمومية البيئية” وفقا لمعايير الحكامة الترابية.
سعيد شكري، عضو “الائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة” ومنسق “لجنة التغيرات المناخية”، اعتبر أن مشاركة المواطنين في بلورة برامج التنمية الترابية، جهويا ومحليا، كشفت عن نقص كبير، خاصة من خلال تجربة الولاية السابقة 2016-2021، التي عرفت نسبة ضعيفة جدا لهذه المشاركة المواطنة (أقل من 0.1 بالمائة)، رغم التنصيص القانوني على الديمقراطية التشاركية في الدستور والقوانين التنظيمية للجماعات والجهات والميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة.
وأضاف شكري، في تصريح لهسبريس، أن “الجماعات الترابية تكتفي فقط بالإخبار في مراحل أولى، وهو ما دعا الائتلاف من خلال ملاحظاته التي سجلها في الولاية السابقة إلى عدم قبول تمرير هذه المخططات في غياب مأسسة حقيقية ومشاركة مواطنة فاعلة من خلال هيئات ومراصد للتتبع والتقييم”.
وأوضح عضو المكتب الوطني للائتلاف أن سياق انعقاد اللقاءات الجهوية هو توفير فرصة للحوار والنقاش مع المنتخبين والفاعلين المؤسساتيين رسميا، مشيرا إلى أن “غيابا تاما لهم بصم لقاءات بعض الجهات، في حين تفاعل مسؤولو جهات أخرى بمسؤولية وكل مهنية”، وهو ما قد يعمق مشكلة “غياب التنسيق والانسجام والتقائية السياسات العمومية”.
وسَجل شكري، بكل أسف، “حضورا ضعيفا” وباهتا للإشكاليات البيئية والمناخية في برامج التنمية الترابية، مشيرا إلى أن “حجم الميزانيات المرصودة وطنيا وحتى جهويا يعطي فكرة واضحة عن درجة الاهتمام بقضايا البيئة والتغيرات المناخية”؛ قبل أن يضيف أن مبادرة عقد اللقاءات وصياغة خارطة طريق للتشاور والمقترحات جاءت بـ”مبادرة واجتهاد فردي من طرف الائتلاف دون أي دعم من الدولة للمجتمع المدني البيئي بالمغرب”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن “تصورات العمل ترابيا قد تشكلت بوضوح”، باعتبارها من مخرجات هذه اللقاءات، التي تضم أيضا “إبداء رغبة جميع الأطراف والوعي بأهمية البيئة وقضايا المناخ، إلا أن الملاحظ هو وجود قصور يسِم مرحلة التفعيل الميداني”.