قدم أحمد جزولي، خبير في الحكامة الديمقراطية والسياسات العمومية، مذكرة اقتراحية لتعديل مشروع المرسوم الجديد الخاص بالصفقات العمومية الذي نشرته الأمانة العامة للحكومة في انتظار اعتماده من طرف الحكومة قريبا.
وبعث جزولي مذكرته الاقتراحية إلى رئيس الحكومة ووزيرة الاقتصاد والمالية، قدم فيها عددا من الملاحظات بناء الخبرة التي راكمها في إعداد الصفقات وتقديم العروض ورئاسة وعضوية اختيار المشاريع الفائزة على المستوى الدولي في إطار برامج منظومة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومجلس أوروبا، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وقال جزولي في مذكرته إن “مشروع مرسوم الصفقات العمومية، كما هو الآن، بقي حبيس التشريعات الجارية ويكرسها دون تجديد كافٍ بالرغم من محاولته تعزيز الشفافية واعتماد مبادئ الحكامة الجيدة”.
وأبرز الخبير المغربي أن “مشروع المرسوم في نسخته الحالية فشل في إعمال مبادئ رئيسية متعارف عليها دوليا في مجال الصفقات العمومية، من بينها تقديم تعريف دقيق للصفقة العمومية”، قائلا إنه من الضروري التمييز بين طلب عروض في إطار الصفقات العمومية المفتوحة أمام الشركات والجمعيات والتعاونيات والمقاولين الذاتيين، وطلب مشاريع في إطار الدعم المفتوح فقط أمام الجمعيات والتعاونيات.
المقترح الثاني الذي قدمه الخبير الذي يرأس مكتب “طالم” للدراسات والأبحاث، يهم إشراك العموم في إعداد طلبات العروض من خلال طلب معلومات من الجمهور من أجل تدقيق طلبات العروض وتجويدها.
وجاء في المذكرة أن “صياغة طلبات العروض حرفة وخبرة تتأتى لأصحابها عبر الممارسة، وتساعدهم الدلائل الإرشادية المؤسساتية لتقديم نصوصهم. لكن هذا لا يقلل من أهمية طلب رأي الجمهور الذي قد يكون بعضه معنيا بالخدمة المرغوب في إنجازها”.
ومن شأن إشراك العموم في هذه المسطرة أن يساهم، وفق الخبير المغربي، في إعمال المقاربة التشاركية التي جاء بها الدستور، وأيضا تفعيل الالتزامات الدولية للمغرب في إطار برنامج الحكومة المنفتحة.
ملاحظات المذكرة شملت أيضا “ضرورة تحديد المدة المنطقية لإعداد العروض، حيث لا تقل عن 60 يوما بشكل قار وموحد وحازم، دون ترك الهوامش في القانون للتمديد والتمطيط، لأن هذا هو مرتع الرشوة والزبونية، وكلما كانت المدة كافية لإعداد العروض، كانت جودتها أفضل”.
كما اقترح جزولي تبسيط الإجراءات وضمان فعاليتها بجعلها على مرحلتين من خلال جعل الإعلانات عن طلبات العروض مبسطة ومعروضة بمنهجية موحدة، وفق مواد متتالية تضمن الحد الأدنى الكافي لشرح الخدمة المطلوبة، وأية إضافات يمكن أن تكون ضمن ملاحق.
وأشار إلى أن “الشركات تعاني من ضمان التمويل من أجل إعداد العروض، خصوصا أن نسبة عدم الفوز تكون دائما أكبر بكثير من نسبة الفوز”، ولذلك اقترح أن “يكون طلب العروض على مرحلتين: مرحلة أولى يتم فيها تقديم ملخص، ومرحلة ثانية لمطالبة الفائزين في المرحلة الأولى بتقديم العرض الكامل الذي يتم بناء عليه التقييم النهائي، وبالتالي تحديد الفائز بالصفقة”.
كما لفتت المذكرة إلى أن شرط الرخص يعتبر تكريساً للريع والاحتكار، واقترحت “تعويضها بالشروط التقنية الخاصة بكل عرض على حدة”، وفتح مجال تنفيذ المشاريع مع الدولة أمام طاقات جديدة لتنويع العروض والرفع من جودة الخدمة العمومية في النهاية.
على مستوى اختيار العرض الفائز، شددت المذكرة على ضرورة تعزيز الشفافية بضرورة التنصيص على استبعاد أي تفاوض مباشر تحت أي ذريعة كانت؛ لأن ذلك يتنافى مع مبدأي الشفافية والإنصاف والمنافسة الشريفة.
وبالنسبة للعروض غير الفائزة، اقترح الخبير أحمد جزولي تقديم تقرير يحدد نقط قوة ونقط ضعف كل عرض على حدة، بحيث يمكن لمقدمي العروض أن يستفيدوا من هذه الملاحظات لتحسين عروضهم المستقبلية.
واقترحت المذكرة تنصيص المرسوم على تمويل الإدارة العمومية للأفكار المبتكرة مباشرة إن لم تكن ضمن برامج جارية أو طلبات عروض قادمة، واعتبرت أن عرض هذه الأفكار ضمن طلبات عروض عامة فيه إجحاف في حق صاحب الابتكار.
من أبرز ما يعيق تقدم عدد المقاولات المتوسطة والصغيرة للصفقات العمومية، هو الضمانة المالية، وهو ما طالبت المذكرة بإلغائه، حيث اعتبرته “دون معنى، ويزيد من الاقتصاد الخاطئ (la fausse économie) من خلال وضع مبالغ مالية وسحبها دون قيمة مضافة حقيقية في السوق”.
وضمن مقترحات المذكرة، طالب جزولي بتسهيل تمويل تنفيذ الصفقات والإلزام بجدول للأداء من خلال إقرار أداء نسبة من التكلفة الإجمالية لصاحب العرض الفائز لا تقل عن 10 في المائة عند التوقيع، لتمكينه من العمل بالتمويل المخصص للصفقة، عوض جعله يصرف على الحكومة من موارده الذاتية.
وأكد الخبير المغربي أن “النقاش العمومي بمناسبة إعداد مرسوم الصفقات العمومية يمثل فرصة مهمة لتعزيز فعالية السياسات العمومية من أجل إنتاج أثر على الحياة اليومية للمواطنات والمواطنين كما أوصى بذلك تقرير النموذج التنموي الجديد”.
وأضاف جزولي في المذكرة الاقتراحية أن “الهدف هو ضمان فعالية كل صفقة عمومية في خدمة أهداف الدولة في التنمية، وهذا ما يجب أن يكون موضوع متابعة وتقييم من قبل مؤسسة مستقلة لتتبع وتقييم السياسات العمومية نحن في حاجة لإحداثها في بلدنا”.