مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، يكثر الحديث والتبليغ عن حالات تسمم مختلفة المصدر، تَرِد على مستشفيات المملكة ومراكزها الصحية. كما أن التكهنات والتساؤلات عن الأسباب تظل دائما محط نقاش واستفهام من طرف المهنيين كما المواطنين، كما حصل مؤخرا بكل من تطوان وقبلها السعيدية.
آخرُ الحالات تمثلت في ما سجله إقليم تطوان، منذ نهاية الأسبوع الماضي، مع وُرود حالات مختلفة على مستشفيات المدينة لأشخاص تظهر عليهم “أعراض تسمم”، إلا أن مصدرها ظل مجهولا رغم ارتفاع عددها وتواليها في ظرف زمني وجيز. بينما أكدت مصادر محلية مطلعة “استبعاد فرضية التسمم الغذائي الناتج عن الأكل بالضرورة، نظرا لاختلاف الأعراض وحدّة الإصابات بين أفراد من الأسرة الواحدة”، لتُظهر كشوفات وفحوصات لاحقا أن الأمر يتعلق ببعض الحالات التي كانت مصابة بأعراض فيروس “كوفيد-19”.
وحسب معطيات توفرت لجريدة هسبريس فإن 35 حالة في ظرف يوميْن فقط وردت على إحدى المصحات العمومية بمارتيل، شكلت “التسممات الجماعية” معظمها، فيما غالبية المتضررين منها هم “مصطافون وزوّار وافدون على المنطقة خلال فترة العطلة الصيفية”.
وجرت العادة أن يُشار إلى التسمم الناتج عن المأكولات خارج المنزل على أنه السبب الرئيسي لحالات تسمم تستقبلها المراكز الصحية والمستشفيات بالمغرب، إلا أن الأسباب الحقيقية لحالات التسمم المتزايدة خلال أشهر هذا الصيف أعادت النقاش من جديد حول “احتمال” أن يكون الاستعمال الخاطئ للأدوية أيضا في مقدمة المسببات.
وتشير أحدثُ إحصائيات المركز الوطني لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية، التي حصلت عليها هسبريس برسم سنة 2021، إلى أن “التسمم بالأدوية” واستخدامها بغرض الانتحار أو تناول غير الملائم منها من قبل الأطفال تسبّب في حالات تراوح عددها بين 2800 و3000، تلتْها حالات التسمم التي لها علاقة بالمبيدات الحشرية.
وبينما تراجعت التسممات الغذائية إلى المرتبة الخامسة، سجلت طبيبة تعمل بالمركز ذاته أن ذلك يعزى إلى “تراجع إقبال الأشخاص على تناول الطعام خارج المنازل، بسبب مخاوف انتشار فيروس كورونا؛ إذ لم يتجاوز عدد هذه الحالات 341″، مشيرة إلى التغيّر الحاصل على عادات بعض المغاربة في الأكل، إذ قبل سنة 2020 “كانت حالات التسمم الغذائي في الرتبة الثانية أو الثالثة”.
وسبق أن أكدت الطبيبة حنان الشاوي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “جائحة كورونا” غيّرت من ترتيب حالات التسمم بحسب مسبباتها ومصدرها؛ فبينما “كانت حالات التسمم المتعلقة بالمبيدات الحشرية تحتل المرتبة الرابعة، جاءت خلال العام الماضي في المرتبة الثانية، بما مجموعه 800 حالة، ما يرجع إلى تناول بعض الأشخاص هذه المواد برغبة شخصية، سواء من أجل الانتحار أو الإجهاض في بعض الحالات”. بينما يأتي التسمم بسبب مواد التنظيف في المرتبة الثالثة، بما يناهز 400 حالة، يليه التسمم عن طريق المواد الصناعية بعدد حالات يتراوح بين 380 و400 حالة.
مصدر آخر من المركز، مختص في الموضوع، أكد في حديث مع هسبريس صحة المعطيات سالفة الذكر، موضحا أن الأدوية كمسبّب تظل اتجاها متصاعداً، في ظل عدم احتساب حالات تسمم ناتجة عن مصادر حيوانية؛ مثل لسعات العقارب ولدغات الأفاعي والثعابين وغيرها، إذ سجلت لوحدها ما مجموعه 28 ألف حالة في صفوف الفئة العمرية أقل من 15 سنة.
من جانبه، شدد الدكتور الطيب حمضي، طبيب عام خبير في النظم والسياسات الصحية، على ضرورة التمييز بين “التسممات العادية التي يظل القيء والإسهال من أبرز أعراضها، والتسممات الخطيرة (empoisonnement) التي قد تودي إلى مشاكل صحية كبيرة، ويكون مصدرها مبيدات حشرية أو أدوية استعملت بشكل خاطئ”.
وأوضح حمضي، في تصريح لهسبريس، أن حالات التسمم “من الطبيعي أن تشهد ارتفاعا في فصل الصيف، نظرا لتكاثر الميكروبات مع درجات الحرارة المرتفعة”، لافتا إلى “عدم احترام سلسلة التبريد التي يجب أن تخضع لها الأغذية والمواد الاستهلاكية”، و”انتشار الأكل السريع عبر سندويتشات أو وجبات باردة”، محذرا من خطر “امتهان المَطْعمة دون احترام شروط السلامة الصحية والنظافة من طرف الكل في فصل الصيف”.
المتحدث ذاته ذهب إلى اعتبار أن “الأدوية، لاسيما المضادات الحيوية، لا تشكل نسبة التسمم الناتج عنها إلا حالات ضئيلة في الغالب، لأن الإقبال عليها يكون مرتفعا في فصل الشتاء”، مضيفا أن “بعض متحورات كورونا بدأت تتجلى بعض أعراضها في الجهاز الهضمي (القيء والإسهال)، ما يخلق ارتباكا وتشابها مع أعراض التسمم الغذائي”.
وأوصى حمضي عموم المواطنين بالتحلي بسلوكيات مسؤولة عن صحتهم وسلامتهم عبر “الحرص الشديد على النظافة وشروط السلامة الصحية للمأكولات، فضلا عن مصدر المياه”، داعيا إلى استهلاك وجبات مطبوخة مع تفادي استهلاك مواد سريعة التلف لا تخضع للتبريد اللازم، ما أمكن ذلك.