تفاعل الملك محمد السادس مع مطالب العديد من الهيئات الحقوقية النسائية، الخاصة بمدونة الأسرة، بعدما أكد على تحيين الآليات والتشريعات للنهوض بوضعية المرأة.
خطاب الذكرى الـ23 لجلوس الملك محمد السادس على كرسي العرش حمل معه انتظارات الفاعلات الحقوقيات، ومعهن النساء المغربيات، حين دعا إلى تفعيل المؤسسات الدستورية المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية للنهوض بوضعية النساء.
فكيف يمكن جعل مدونة الأسرة تتماشى مع المقتضيات الدستورية؟ وما المطلوب تعديله في هذه المدونة لتحقيق المساواة ووقف الحيف في حق النساء؟.
ثغرات في المدونة
ترى الفاعلة الحقوقية بشرى عبدو أن التطبيق العملي لمدونة الأسرة، التي كانت قد شكلت حين دخولها حيز التطبيق منذ 18 سنة ثورة هادئة بكل المقاييس، أفرز عددا من الثغرات.
ولفتت مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن المدونة، التي “جعلت مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين، منعت تعدد الزوجات، وإن أبقت على بعض الاستثناءات، وجعلت الطلاق تحت إشراف القضاء، ومنحت الزوجة حق طلبه، وحق الولاية على نفسها، إلى غير ذلك من الإصلاحات”، مردفة: “اليوم، أصبحت الحاجة ملحة إلى مراجعتها حتى تتم معالجة النواقص وتواكب التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة”.
كما أن ضرورة تعديل “المدونة” تأتي أيضا، وفق المتحدثة نفسها، “لتلائم من جهة ثانية التزامات المملكة والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، خاصة على ضوء إقرار دستور 2011 الذي كرس مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية”.
وسجلت بشرى عبدو أن الخطاب الملكي “كان واضحا في ملاءمة مدونة الأسرة مع الدستور، وهذه إشارة قوية إلى التعديل المتقدم”، مضيفة: “عندما تطرق لثوابت الأمة كذلك جاء الاعتدال والاجتهاد، وهذه كلها إشارات قوية إلى تعديل مهم”.
وبالنسبة للفاعلة النسائية ذاتها فإن التعديلات المرتقبة “ستكون متقدمة، انطلاقا من القضايا المطروحة التي دقت لها مجموعة جهات ناقوس الخطر، وتهم زواج القاصرات، والولاية على الأبناء، ومساطر النفقة، والطلاق، وتقسيم الممتلكات، وإثبات النسب”.
*قوانين تتطلب التعديل
وفي نظر المختصين في القانون فإن الخطاب الملكي بهذه المناسبة يأتي ليؤكد اهتمام الجالس على العرش بتطبيق القانون وتنزيله التنزيل السليم.
في هذا الصدد أوضحت المحامية بهيئة المحامين بالدار البيضاء وديعة عماري، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن دعوة الملك إلى مراجعة نصوص مدونة الأسرة “تأتي لوقوفه على الاختلالات التي تعيق نجاح الأسرة، خاصة أنها نواة المجتمع”.
وبالنسبة للمختصة في قضايا الأسرة فإن ما يتطلب تعديله لضمان السير السليم لقوانين مدونة الأسرة والمصلحة الفضلى للطفل “منع زواج القاصرات، وحصر سن الزواج في 18 سنة بالنسبة للأنثى والذكر على حد سواء”.
كما أكدت الباحثة في مجال القانون على ضرورة “الحد من السلطة التقديرية في اللعب بسن الزواج بالنسبة للبنت القاصر، التي لها الحق في التمدرس والتعليم وفي ممارسة طفولتها بكل أريحية”.
وتنضاف إلى ذلك، وفق المحامية بهيئة الدار البيضاء، مسألة الولاية القانونية، مشيرة إلى أهمية “جعلها بيد الزوجين وليس بيد الزوج وحده، وكأن الأم لا علاقة لها بالابن”.
وفسرت المحامية الأمر بأن “الأمهات يصطدمن بهذا الفراغ القانوني في حالة الطلاق أو الحصول على وثائق للأبناء أو رغبتهن في تنقيلهم للتمدرس أو السفر بهم، إذ تكون الأم ملزمة بحضور الأب لتتمكن من هذه الوثائق، فيما يكون ممتنعا عن أداء النفقة أو غير معلوم العنوان، أو يطالب بمقابل مادي حتى يمكنها من وثائق الأبناء الذين هم أيضا أبناؤها”.
ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، إذ تؤكد عماري على أهمية تحديد سقف أدنى وسقف أعلى للنفقة، يكون على شكل جدول، مشيرة إلى وجود أولويات تهم حقوق المرأة، من نفقة وتعليم وحق في الصحة، لتبديد معاناتها اليومية، التي تتطلب مراعاتها في التعديلات على مدونة الأسرة مستقبلا.