تحولت مدينة تزنيت، خلال السنوات الأربع الماضية، إلى وجهة مفضلة يجد فيها مسؤولو الأقاليم المجاورة ضالتهم قصد إفراغ أفواج من المشردين والمختلين عقليا عبر رحلات غالبا ما تتم تحت جنح الظلام.
فإذا كانت عاصمة الفضة قد اشتهرت منذ القدم بالهدوء والأمن وكرم ساكنتها وتوفرها على كل المقومات التي تجعل منها مدينة تضمن لقاطنيها، أصليين أو وافدين، ظروف عيش واستقرار أفضل، فقد أصبحت اليوم عكس ذلك، ولعل ظاهرة تنقيل المشردين والمختلين عقليا صوبها من الأسباب الرئيسية وراء هذا التحول.
وعلى الرغم من النداءات المتكررة التي أطلقتها الفعاليات التزنيتية أكثر من مرة للحد من تحويل المدينة إلى “بويا عمر” ونقطة لتجميع مشردي ومختلي سوس ووادنون، فإن الظاهرة لا تزال في تمدد أمام صمت غير مفهوم للجهات المسؤولة بالإقليم.
قتل واعتداءات متكررة
الحديث عن تداعيات إفراغ المشردين والمختلين عقليا بتزنيت يحيلنا مباشرة على حادث قتل سائحة فرنسية من طرف مختل عقليا شهر يناير الماضي، وهو الحادث الذي كاد يتكرر قبل أسبوع لولا الألطاف الإلهية بعدما استهدف مشرد سائحة إيطالية، تم نقلها نحو المستشفى لتلقي العلاج.
والملاحظ في الواقعتين أن بطليهما يتحدران من خارج تزنيت ويعانيان من خلل عقلي، وهو مؤشر خطير سيكون له تأثير كبير على السياحة المحلية بالمنطقة في حال تكراره مستقبلا، لما سيكون لدى السياح القادمين إلى المنطقة من نظرة سوداء تجاه الإقليم، الذي كان وما زال قبلة سياحية تغري الباحثين عن الراحة والاستجمام.
وإلى جانب ما تعرضت لها السائحتان بتزنيت، فإن الاعتداءات والمضايقات التي تتعرض لها الساكنة المحلية، خصوصا الأطفال والنساء، من طرف المختلين عقليا والمشردين تتكرر بشكل يومي في ظل الارتفاع المتواصل لأعداد هذه الفئة.
السلطات مطالبة بالتدخل
الحسين وكريم، رئيس جمعية “أوزي للأعمال الاجتماعية والأشخاص بدون مأوى”، قال إنه خلال الأيام القليلة الماضية تم تفريغ 24 شخصا من المشردين والمختلين عقليا بمدينة تزنيت دفعة واحدة، منهم أشخاص بكامل قواهم العقلية، لكنهم في حالة جد مزرية من ناحية المظهر والروائح نتيجة تواجدهم بالشوارع مددا زمنية مختلفة.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، “لدينا معطيات خاصة تفيد بأنهم نقلوا من مدينة كلميم، وبالضبط من نواحي المحطة الطرقية، نحو مدينة تزنيت، حيث تم إجلاؤهم بمدخل المدينة بدون رحمة ولا شفقة ولا إنسانية”.
وتابع قائلا: “الصراحة، هادشي بزاف. وهذا نداء للسلطات المختصة بمختلف مكوناتها للتدخل العاجل لوقف مثل هذه الممارسات غير المقبولة، وتشديد المراقبة عبر السدود القضائية”.
“هذا المشكل كان موضوع لقاءات مع المسؤولين، لكن بدون فائدة تذكر، خصوصا أن تبعاته السلبية تفاقمت على المدينة وعلى المجتمع المدني المهتم بهذه الفئة، لأننا كفاعلين في القطاع لدينا طاقة استيعابية لإيواء الحالات المتحدرة من المنطقة فقط، وليس باستطاعتنا إيواء جميع المشردين الوافدين عليها، لكن مسؤوليتنا الاجتماعية والإنسانية تحتم علينا التدخل في الجانب المتعلق بالملبس والمأكل”، يضيف الفاعل الجمعوي ذاته.
وبخصوص الحلول المناسبة للحد من هذه الظاهرة، أوضح وكريم أن الجهات المسؤولة محليا مطالبة بالتدخل لدى مسؤولي الأقاليم الذين ينقلون هذه الحالات نحو تزنيت، وتعزيز المراقبة في السدود القضائية ضمانا لتفادي وقوع حالات اعتداء جديدة.
الترحيل تصدير للمشكل
وفي تصريح لهسبريس، قال محمد الفقير، الخبير النفسي والاجتماعي، إن ظاهرة وجود أشخاص في وضعية الشارع، سواء كانوا مشردين أو يعانون من خلل عقلي، توجد في معظم المجتمعات الإنسانية، بنسب متفاوتة تبعا لعوامل اقتصادية أو اجتماعية، وغالبا ما يسجل ذلك بشكل ملحوظ في المدن الكبرى، وهذا له تفسير لكونها تضم كثافة سكانية عالية وتركز للنشاط الاقتصادي. قبل أن يستدرك قائلا: “لكن أن يسجل تنامي ظاهرة الأشخاص في وضعية الشارع خلال السنوات الأخيرة في مدن أو مراكز صغيرة، فهذا يثير حفيظة ساكنتها، خصوصاً إذا سجلت اعتداءات ومضايقات تقف وراءها هذه الفئة، التي تنحدر في الأصل من مناطق ومدن أخرى تبعد عنها بمئات الكيلومترات”.
وأضاف أنه بالعودة إلى التقارير الإعلامية، التي كانت تستند على مصادر مدنية، فالأخيرة توجه المسؤولية إلى من يرحلهم من الحواضر الكبرى صوب المراكز والمدن الصغيرة، وهو أمر لا يعتبر حلا، بل فقط تصديرا للمشكل.
وبالنسبة للحلول الممكنة فتتمثل، وفق الفقير، في رفع الطاقة الاستيعابية لدور الرعاية الاجتماعية والصحية من أجل إعادة تأهيل هؤلاء ودمجهم في المجتمع في المدن ذات الاستقطاب العالي لهذه الفئة، وأيضا مواصلة التوعية والتحسيس والوساطة الاجتماعية من أجل تحقيق التكفل العائلي بهذه الفئة من قبل ذويها.