انطلقت، االأربعاء، بمدينة فاس أشغال ندوة رفيعة المستوى للاحتفال بالذكرى الخامسة لخطة عمل القادة والفاعلين الدينيين في منع التحريض على العنف الذي قد يؤدي إلى ارتكاب جرائم وحشية، المعروفة بـ”خطة عمل فاس”، والتي اعتمدتها منظمة الأمم المتحدة سنة 2017 بعد سنتين من المشاورات التي انطلقت في العاصمة العلمية للمملكة تحت رعاية مكتب الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية والمسؤولية عن الحماية.
وتعرف هذه الندوة، التي تنظمها، على مدى يومين، المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان والرابطة المحمدية للعلماء ومكتب الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية ومسؤولية الحماية، على الخصوص، مشاركة المؤسسات والهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والخبراء والفاعلين والقيادات الدينية، من المغرب ومن مختلف أنحاء العالم.
ويروم الاحتفال بهذه الخطة، وفقا لما تؤكده الورقة المفاهيمية لهذه الندوة، التي تنظم بشراكة مع شبكة صناع السلام الدينيين والتقليديين، التأكيد على دور القادة والجهات الفاعلة الدينية في دعم السلم العالمي، مبرزة أنها ستتوج بوثيقة ختامية للأمم المتحدة تعزز الفهم بخصوص أثر تنزيل “خطة عمل فاس” على السلم والأمن وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة.
وخلال كلمته في افتتاح هذه الندوة، أكد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، أن هذا اللقاء يشكل مناسبة على قدر كبير من الأهمية لتقييم منجزات إعمال “خطة عمل فاس” بعد مرور خمس سنوات من اعتمادها، وطرح ومناقشة تحديات جهود مكافحة ظاهرة التحريض على العنف وخطاب الكراهية، والبحث عن سبل ناجعة وفعالة لمواجهتها من طرف كل الفاعلين في ظل ظرفية دولية ما زال يشكل فيها التطرف العنيف ظاهرة معقدة تشغل بال المنتظم الدولي.
وأشار وهبي، في مداخلته، إلى أن المملكة المغربية بلد يتوفر على رصيد تاريخي غني بالتسامح والتعايش والتمازج بين الأديان؛ بحكم الدور التاريخي والمركزي لمؤسسة إمارة المؤمنين، كضمانة وركيزة أساسية لحماية الحقوق والحريات المكفولة بموجب الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
وشدد وزير العدل على أن الأهمية القصوى التي توليها المملكة لمسألة التحريض على الكراهية ونبذ العنصرية والعنف المفضي إلى الجرائم البشعة يجعلها تدعم التوجهات الدولية الهادفة إلى تعزيز الحوار والنقاش الدولي حول نشر قيم التسامح والاعتدال، ولا سيما من خلال الحرص على احتضان لقاءات ومنتديات دولية تنبثق عنها وثائق مرجعية، مثل “خطة عمل فاس”.
وأكد المسؤول الحكومي ذاته، وهو يستعرض التجربة المغربية في مكافحة ظاهرة التحريض على العنف وخطاب الكراهية، أن المملكة راكمت، بفضل انخراطها بشكل جاد ومسؤول في تفعيل إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، خبرة وطنية في هذا الصدد جعلتها نموذجا مطلوبا للاسترشاد والاستعانة به من طرف دول عديدة.
وأبرز وهبي أن الإستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف والإرهاب تجاوزت المرتكز الأمني الناجع إلى تنمية القدرات وتوفير فرص التكوين من أجل مكافحة الظاهرة وتيسير عمليات الإقناع والتصحيح والمراجعة.
من جهته، قال أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، الذي سير جلسة الكلمات الافتتاحية لندوة “خطة عمل فاس”، إنه من واجب الجميع مكافحة خطاب الكراهية والنبذ والإقصاء، مؤكدا أنه، بعد مضي خمس سنوات على خطة عمل فاس، جاءت هذه المحطة لاستلهام روح هذه الخطة التي قال بأنه، منذ أن صادقت عليها الجمعية العامة للأم المتحدة، قبل خمس سنوات، لم تغير فيها ولو فاصلة.
وأضاف عبادي، في تصريح لهسبريس، أن هذه الندوة جاءت، اليوم، لاسترجاع عناصر “خطة عمل فاس”، والتي هي الوقاية والتقوية والتعزيز والبناء؛ وذلك في أفق الاستدراك، وإطلاق خطة معززة لمكافحة خطاب الكراهية الذي قد يؤدي إلى العنف والجرائم الوحشية.
بدوره، أشار أحمد شوقي بنيوب، المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية لهده الندوة، والتي تلاها نيابة عنه الكاتب العام للمندوبية، عبد الكريم بوجرادي، بسبب تعذر مشاركته فيها لإصابته بفيروس كوفيد-19، إلى أن المغرب يواصل بعزيمة وثبات التصدي للإرهاب والعنف؛ وذلك من خلال إستراتيجية استباقية، وخطط وبرامج عمل، تنبني على اليقظة، والمرونة، والتدخل الحازم لصد التهديدات والمخاطر المحتملة.
كما أكد شوقي بنيوب، في السياق ذاته، أن المملكة المغربية تستند في التصدي للإرهاب والعنف إلى مقاربات بأبعاد تنموية تربط بين الجوانب الروحية والمادية وتعزيز الحكامة الأمنية ومحاربة الفقر والإقصاء والتهميش الاجتماعي ونشر قيم الاعتدال والوسطية والتسامح ونبذ العنف، بما يسهم في اجتثاث الجذور الفكرية والثقافية التي تغذي الكراهية والتمييز والتطرف والعنف.
وتتميز هذه الندوة، إلى جانب مشاركة قيادات بارزة في منظمة الأمم المتحدة، بحضور السفير عمر هلال، الممثل الدائم لمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة بنيويورك، والذي قال إن “خطة عمل فاس” تشكل وثيقة قوية معتمدة من قبل منظمة الأمم المتحدة في محاربة الكراهية وخرق حقوق الإنسان، والدفاع عن التعايش بين الشعوب والجيران والأمم.
وأضاف هلال، في تصريح لهسبريس، أن المشاركين في هذه الندوة جاؤوا إلى فاس للتأكيد على هذه المبادئ والاتفاق على تطبيقها لمساعدة العالم الذي قال بأنه يعيش على إيقاع الحروب، سواء في أوروبا أو إفريقيا، فضلا عن التطرف الديني، كما هو الحال في مجموعة من مناطق إفريقيا.
وأكد الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة بنيويورك أن من أهداف المبادئ التي جاءت بها “خطة عمل فاس” تحقيق السلم والتعايش وبناء الثقة، “خصوصا مع الجيران الذين لا يحترمون مبادئ حسن الجوار، ويتنكرون للماضي والتضامن والتضحيات التي قدمت لهم”، وفقا لتعبيره.
وشدد هلال على أنه كما لرجال الدين دور أساسي في إنجاح تطبيق مبادئ “خطة عمل فاس”، فإن للسياسيين والمنظمات المدنية والأكاديميين والشباب والنساء دورا مهما في محاربة التطرف والكراهية والعنف والعنصرية، آملا في أن “نخرج ندوة فاس بتوصيات قوية لبناء عالم بدون حروب، ومجتمع دولي تتعايش فيه كل الدول، وخصوصا كل الجيران”.